عرض كتاب نقد الخطاب الاستشراقي - ساسي الحاج

عرض كتاب نقد الخطاب الاستشراقي - ساسي الحاج


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .أما بعد :
 فهذا تقرير من كتاب ((نقد الخطاب الاستشراقي الظاهرة  الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية )) لدكتور / ساسي سالم الحاج ، من الجزء الأول.
أولا :المقدمة :
جعل فيها السؤال لماذا الاختلاف حول حسنات وسيئات الاستشراق ؟ وما وجهة النظر العلمية حول هذا الموضوع ؟ ثم قال هذه الأسئلة ستكون هدف دراستنا محاولين التعرض إلى هذه الظاهرة العلمية، متطرقين إلى أصلها وتطورها التاريخي منذ الأزمان الموغلة في القدم أي منذ التقاء الشرق بالغرب – مرورا بين الإسلام والمسيحية فبالقرن الوسطى ، حتى بيان وآثار هذه العلاقة في العصر الحديث .
ثانيا :الباب الأول :
تناول المؤلف في هذا الباب التأصيل التاريخي للاستشراق , وذكر  مهمة الرجوع إلى تاريخ وذلك حتى يكون القارئ ملما بالموضوع .وهذه الدراسة ستتناول العلاقة بين الشرق والغرب منذ غابر الأزمان ثم أشار إلى المؤثرات الثقافية والحضارية والسياسية ، ثم يعرج بنا البحث إلى دراسة العلاقة بين المسيحية والإسلام .
ويقول لا يمكن أن نعتبر الاستشراق علما من العلوم المميزة له خصائص الذاتية كأي علم آخر ، لأنه من الصعب إثبات ذلك نظرا لطبيعة هذه الدراسة الشمولية التي تناولت كل شيء عن الشرق .
إن المفهوم العام للاستشراق لا يخرج عن كونه تلك الدراسات والمباحث التي قام بها الغربيون لمعرفة الشرق من جميع جوانبه .
ونظرتنا إلى المستشرقين وسط ، ولا نعتبرهم الذين لا يتطرق الباطل والهوى إلى أعمالهم ، ولكنهم أناس درسوا الحضارة الشرقية ، فمنهم المتعصب ، ومنهم المتسامح ، ومنهم من كان على الصواب إلى جانب ، فقدم خدمات جليلة للإسلام والحضارة الشرقية .
وعموما أن من نظر إلى المستشرقين نظرة التشاؤمية كان مرجعها تلك الأهداف والغايات التي سعوا إلى تحقيقها . والذين يروون النظرة التفاؤلي: قالوا أنهم قدموا خدمات جليلة للإسلام والحضارة الشرقية ، فهم الذين جمعوا التراث ، وحققوا المخطوطات الإسلامية ، تحقيقا علميا، وأبرزوا للعالم
إن هذه الآراء المتباينة ترينا أهمية الاستشراق ، والدور التي لعبه في مجال الدراسات الشرقية والإسلامية مهما تباينت أهدافه ومراميه ، وهذه الأمور مما لا نستطيع أن نبين ما لهم وما عليهم ، إلا إذا تعرضنا إلى المراحل التي مر بها الاستشراق والمناهج التي سلكها المستشرقون في دراستهم للحضارة الإسلامية والشرقية .
ثالثا: الفصل الثاني :مراحل الاستشراق .
وذكر في هذا الفصل العلاقة بين الشرق والغرب منذ التماس الواقع بين الفرس واليونان ، وتأثير الثقافة اليونانية على تكوين العقلية الفلسفية التي انتقلت بعدئذ للمسلمين ، خاصة مرحلة التطور التي كان الفكر اليوناني قد وصل إليها بعد احتلال الإسكندر الأكبر لمنقطة آسيا الصغرى حتى تخوم الصين .
كانت العلاقات الأولى بين الشرق والغرب التي اتخذت طابعا تجاريا ترجع إلى أيام الكنعانيين ، ثم تلا ذلك علاقات الحرب والاحتلال بين العالمين المميزين جغرافيا بالشرق والغرب .تجلت العلاقة الثقافية بين الشرق والغرب في هذه الآونة التاريخية .
والغرض من هذا التمهيد هو تأصيل الاستشراق وبيان المراحل الأساسية التي مربها ، وعلاقته بالتبشير ، والأهداف الاستعمارية والسياسية والاقتصادية والعلمية التي سعى إلى تحقيقها ، مع بيان خصائص كل مرحلة ، وما تمتاز به من أعمال ثقافية وحضارية ساعدت على كشف الشرق بصفة عامة ، والإسلام بصفة خاصة .
 المرحلة الدينية للاستشراق وعلاقته بالتبشير:
ومن أهم الرهبان الأوائل الذين اهتموا بالدراسات العربية والإسلامية ((أدلا رد أوف باث adelard of bath )) الذي طلب العلم في مدينة تور بفرنسا ، ثم الأندلس وصقلية ، وعندما رجع إلى إنجلترا عين معلما ...
ولكن الراهب الذي يهمنا في تأصيل للاستشراق هو (( بطرس المبجل  1092-1156)) رئيس دير كلوني الشهير Cluny الذي زار إسبانيا مرتين ، وعني بأحوال المسيحيين الذين كانوا يعيشون تحت حكم المسلمين في إسبانيا ، وكانوا من المتحدثين باللغة العربية .
واستقر رأيه على ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية بغية فهمه أولا ، ثم الرد عليه ثانيا .
وفي سبيل هذا لجأ إلى مدرسة المترجمين من العربية إلى اللاتينية في طليطلة  التي أنشأها ((ريموندو)).
فقام بهذه المهمة العالم الإنجليزي ((روبرت كتون Robert ketone)) بمساعدة هرما نوس أحد العرب المسلمين الذي لم يعرف عنه شيء سوى أن اسمه (محمد).وأنجزت هذه الترجمة 1143، وهكذا ألف هذا الحدث المعلم البارز والأساسي في مجال الدراسات الإسلامية بأوروبا الغربية .
كان الغرض الذي هدف بطرس المبجل إلى تحقيقه من وراء ترجمة القرآن إلى اللغة اللاتينية هو هداية المسلمين – حسب اعتقاده – إلى محاسن الديانة المسيحية .وهذا الهدف نراه تبشيريا بالدرجة الأولى ، ونعتبر هذا الراهب من أوائل المبشرين استخدموا العلم لرد المسلمين عن دينهم .
ومن هنا يفهم أن التبشير هو الأصل الحقيقي للاستشراق وليس العكس صحيحا كما يذهب أغلب الباحثين .
واعتبر بطرس المبجل أن الإسلام في حقيقته ما هو إلا (هرطقة مسيحية ).
وكان الهدف الأساسي من هذه الدراسات تبشير المسلمين بالديانة المسيحية ، والعمل على  ردهم عن دينهم بكل الوسائل ، والانتقام من الفتوحات العربية الأولى التي استولت .
المرحلة العسكرية للعلاقات المسيحية الإسلامية:
كانت الحروب الصليبية من أهم الحوادث الكبرى في تاريخ الشرق والغرب في العصور الوسطى .وعندما انتهت العمليات العسكرية  نهائيا بطرد آخر  الجنود الصلبيين من عكا عام 1291م، قفل العديد من المسيحيين راجعا إلى بلاده. وقالوا أن أفضل وسيلة لنشر المسيحية بين المسلمين هي (التبشير )السلمي والموعظة الحسنة .وأرجع عجز المسيحية عن القيام بمهمة التبشير إلى عدة أسباب أهمها عدم معرفة المبشرين بلغات الشعوب التي يراد التبشير فيها ، والجهل بعقائد من يراد تبشيرهم وعدم التمكن من الحجج والبراهين الفلسفية والعلمية التي  تتخذ كأساس لدعوة غير المسيحيين إليها .
هذه العوامل  مجتمعة أدت بالبابا  (أنوست الرابع ) إلى اصدار منشورة في 22من يونيه إلى مدير جامعة باريس بإنشاء كرسي للدراسات العربية.  
 والإسلامية بها .
كانت أول مدرسة أنشئت للدراسات الشرقية في أوروبا هي مدرسة طليطلة  التي أنشأها مجلس المبشرين عام 1250م ،وكانت تدرس بها اللغتان العربية والعبرية لإعداد من سيقمون بالتبشير بين اليهود والمسلمين .
وكان أبرز من تخرج في مدرسة الدراسات الشرقية التي أنشئت في طليطلة ((ريموند مارتينيRaymond martini  )),الذي قيل عنه بأنه لم يظهر في أوروبا في تلك العصر من يضاهي هذا العالم في معرفته باللغة العربية والمؤلفين العرب وكان يتقن إلى جانب العربية العبرية والكلدانية واليونانية , وقد تبحر في القرآن وحفظ صحيحي البخاري و مسلم.
لعب  المستشرقون والمبشرون أدوارا سياسية في غاية الأهمية أدت إلى انتشار الاستعمار الأوروبي وسيطرته على العالم الشرقي بصفة عامة ، والعالم الإسلامي بصفة خاصة .
- المرحلة السياسية والاستعمارية للاستشراق:
ونحن لا نستطيع أن نتعرض بالتفصيل إلى هذه الأعمال التي قام بها الناس في هذه المرحلة لأتساعها ولكن نحاول  بيان ما يتعلق بنشاط الرحالة الذين زاروا إفريقيا الشمالية والرحلات التي قام بها الأوروبيون إلى الشرق الأوسط  والجزيرة العربية ، لما لهذه الحملة من آثار كبيرة على حركة الاستشراق .وفي هذا المجال سنأخذ نماذج من استخدام الاستشراق في هذه المرحلة لأغراض سياسية واستعمارية ، ونستعرض لبعض المستشرقين البريطانيين الين خدموا الغايات الاستعمارية لبلدهم في الشرق ،ونخص بالذكر منهم
(( بالمر))و ((لورنس))البريطانيين .هكذا أصبحت الرحلات الاستكشافية تنطلق من مدينة طرابلس .وكان الرائد البريطاني الأول الذي انطلق منها هو ((وليام لوكاس )) والذي شغل قبل ذلك وظيفة نائب قنصل بالمغرب .وكان الهدف التي يسعى إلى تحقيقها لا تقتصر على النواحي العلمية وإنما تتعداه إلى أهداف أخرى تجارية وسياسية واستعمارية .من الرحلة الهامة التي له من أغراض سياسية استخدم فيه المستشرقون لغير الأهداف العلمية هي رحلة الرائد البريطاني ((لينج)) الذي بذل مساعيه لدى وزير المستعمرات البريطاني اللورد (( باتورست )) لتنظيم بعثته ، وكان وزيرا للمستعمرات عام 1812م يبدي اهتماما عميقا بالاكتشاف ، وهو الذي شجع الرحلات البريطانية السابقة .
والذي يهمنا من سياق هذ القصص هو بيانه أن المستشرقين وهم على هيئة قناصل ورحالة ، كانوا يهتمون بالنواحي السياسية والثقافية للقارة الإفريقية والشرق عموما ، وأن أحدهم وهو روسو حصل على هذه الكمية الكبيرة من المخطوطات من مدينة طرابلس ، واستولى عليها بطريق غير شرعية وهربها إلى بلده ، وبعض هذه المخطوطات  من نوادر الكتب التي لا يعدلها ثمن .
آثار الحركة التبشيرية واستخدامها في الأغراض السياسية
أن الدول الأوربية لم تستخدم المستشرقين من رحالة وقناصل ورجال الاستخبارات من أجل السيطرة على الشرق والهيمنة عليه فقط ، ولكنها استعانت بالإضافة إلى أولئك برجال الدين  الذين اتخذوا التبشير وسيلة ظاهرية لتحقيق أهداف سياسية واستعمارية بعيدة عن الأغراض الدينية .
برزت هذه الأسباب واضحة جلية من المقولات التي تفوه بها أولئك المبشرون ، فالسيد (( لورنس براون )) قال :(( إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرا ، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون بلا وزن ولا تأثير )) إن هذه المقولات وغيرها تبرز للعيان أن التبشير قد استخدم لأهداف سياسية أهمها إبقاء العرب على حالة الفرقة والتمزق ، ومنعهم من الاتحاد لأن ذلك سيؤدي إلى سيطرتهم من جديد وإعادة حضارتهم ، كم أن هؤلاء المبشرون يعتقدون أن التبشر هو وحدة الكفيل بكسر شوكة الوحدة الإسلامية باعتبارها تكتلا ضد الاستعمار الأوروبي .
كان ارتداد المسيحيين عن دينهم واعتناقهم الدين الإسلامي يعتبر في نظر الكنيسة جناية أشد وأنكى من السرقة والزنا ، ولذ سنت قانونا على المرتاب يقضي عليه بأشد العقوبات.
ومن أبرز الأمور المتعلقة بدخول الولايات المتحدة في الحرب الكونية الأولى أن الآراء والمبادئ التي كانت تهدف إليها الإرساليات التبشيرية الآن الأمة الأمريكية .هكذا أصبح التبشير وسيلة فعالة لخدمة السياسة الاستعمار الغربية .
تركزت الإرساليات التبشيرية في الجزيرة العربية لأهميتها السياسية والدينية ،فتكونت (( الإرساليات الأمريكية العربية )) وكان أبرز مؤسسيها المبشر الشهير((صموئيل زويمر zwemer))، وقد تأسست هذه الإرساليات 1889م، وكان هدفها تحويل أهالي الجزيرة العربية إلى المسيحية باعتبارها موطن العرب ومهد الدين الإسلامي .
وخلاصة القول: أن الكتاب الغربيين أنفسهم وصفوا هذه البعثات التبشيرية بشمال إفريقيا ودواخلها بأنها قد استخدمت كمطية لتحقيق الأهداف السياسية التي تسعى الدولة الغربية  إلى تحقيقها في تلك الأصقاع . ويمكن أن نشير مثالا يدل على ما قلنا أحد هؤلاء المبشرين ((وهو شارل فوكو ولد عام 1880في عائلة متدينة تقوده والدته كل يوم أحد برفقة أخته إلى كنيسة المدينة التي تعيش فيها تلك الأسرة ، فلما مات أبويه تولى جده تربيته ، وأدخله في إحدى المدارس الدينية حيث تلقى تعليمه الأساسي .وعندما تخرج من البكالوريا دخل  الكلية  العسكرية الشهيرة ((سان سير )) التي يتخرج فيها إلى الآن أمهر الضباط الفرنسيين وأكثرهم قدوة وفعالة ، ثم تخرج ضابطا فارسا في كلية ((سامور )).
\آثار الحملة الفرنسية على الدراسات الاستشراقية .
إن أهم نتائج لحملة الفرنسية على الاستشراق هو الاتصال المباشر المنظم بالشرق ، والكشف عن طريق المعاينة والمشاهدة عن أحواله السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وتدبيج تلك الدراسات بأعلى المقاييس العلمية المتعارف .
وعندما يتحدث عن المسلمين بصفة خاصة والشرقيين بصفة عامة فإنه يراهم لا يعرفون شيئا عن الحرية ، وليس لديهم شيء من الاحتشام ، ودينهم الوحيد الذي يؤمنون به هو القوة ، وحينما تمر بهم فترات لا يرون فيها فاتحين يطبقون عدالة السماء ، فإنهم يبدون كجنود بدون قائد ومثل عائلة دون أب .
ولم يكن (( القرآن الكريم )) بالنسبة لهذا الكاتب إلا قصة اخترعها محمد ، وإنه لا يحتوى على أي مبدأ للحضارة .
ولم يبق لديه إلا المسيحية الجديرة بالعناية والتمجيد لأنها حسب رأيه – الديانة الوحيدة التي تعطي للإنسان قيمته الحقيقية وهي الوحيدة التي تكافح الاسترقاق خلافا للإسلام الذي نص عليه صراحة وأباح في القرآن .
ويتناسى الكاتب المقطع السابق ذلك التعايش الذي دام طويلا بين المسيحية والرق ، وقد شاهد ذلك بأم عينه عند ما زار العالم الجديد قبل رحلته إلى الشرق .
وبالرغم من التوفيق الذي حالف لامارتين حول النقطة السابقة فإنه قد انحدر إلى الخطأ كبقية زملائه عندما اعتبر أن العقيدة الإسلامية ترتكز أساسا على التوكل والقدرية ، ونفى عنها حرية الإرادة وخلق الإنسان لأفعاله سواء كانت خيرة أو
.وهكذا تتجلى الأغراض السياسية والاستعمارية لدى الرحالة والمستشرقين الذين زاروا الشرق بعد حملة نابليون على مصر ، وكان هؤلاء جميعا نتيجة من نتائج هذه الحملة الثقافية ، وقد اقتصرنا على هذين الكاتبين شاتوبريان  ولامارتين باعتبارهما  أشهر الأدباء الفرنسيين في القرن التاسع عشر .


خصائص الدراسات الاستشراقية في فرنسا
ولا ننسى الدورالتي لعبته جامعة السربون وما زالت تلعبه في مضمار الدراسات العربية والإسلامية حيث أنشئ بها قسم خاص بهذه الدراسات يعتبر أقوى الأقسام وأهمها إلى وقتنا هذا. وما زالت المئات من الطلبة العرب والمسلمين يتلقون دراساتهم العليا به .
وعلينا أن نشير إلى المعاهد الأخرى المتخصصة في هذه الدراسات الإسلامية :
منها المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة الذي أنشأه ماسبيرو عام 1880.
منها معهد الدراسات العليا في تونس .
ومدرسة الآداب العالية في الجزائر .
ومعهد الدراسات المغربية العليا في الرباط .
والمعهد الفرنسي في دمشق .وغيرها من المعاهد الأخرى التي تهتم بهذه الدراسات وإن تقلص بعض منها بعد زوال الاستعمار الفرنسي عن شمال إفريقيا .
ولو أردنا بعد هذا العرض استخلاص خصائص الدراسات الاستشراقية في فرنسا لوجدنا أنها تمتاز بالشمولية والتعدد.
  خصائص الدراسات الاستشراقية في إيطاليا
بدأ الاهتمام بالدراسات الاستشراقية في وقت مبكر في بريطانيا وذلك عندما أسس السير ((توماس آدمزt .Adams((  كرسي الدراسات العربية في جامعة كامبريدج عام 1632م .
تناول الاستشراق البريطاني سائر مناحي المعرفة الشرقية من لغات وآداب وعلوم وفنون وعقائد وتاريخ وجغرافيا وآثار .والذي يهمنا هو بيان الدراسات العربية و الإسلامية ، وإظهار الخصائص العامة للاستشراق البريطاني .
وكان على رأس المهتمين بالدراسات العربية (( سيمون أوكلي )) الذي تولى مهمة التدريس العربية في جامعة كامبريدج عام 1711م .
 وكان ينظر إلى أهمية اللغة العربية حالة كونها تساعد على الفهم اللغة العبرية – حسب قوله – وألف كتابه الشهير ((تاريخ المسلمين )) الذي تناول التاريخ الثقافي والسياسي للإسلام .ومن المستشرقين البريطانيين البارزين مونتجومري وات الذي تناول الفكر الإسلامي السياسي ، الوحي ، وحياة محمد في مكة والمدينة ، وغيرها من الكتب التي أبانت عن الحضارة الإسلامية .
إن الخصائص المميزة للدراسات  الاستشراقية البريطانية تتلخص في شموليتها وتعددها ، لأنها تناولت سائرالدراسات الشرقية من علم وفن وأدب وتاريخ وفلسفة وعمارة وآثار .كما أن هذه الدراسات لم تقتصر زمانا على فترة تاريخيه محددة ولكنها تناولت الشرق القديم والحديث .
أما بالنسبة للمكان فإنها قد شملت الشرق بكامله ولم تقتصر على الشرق الأوسط فقط.
والسبب في ذلك يعود إلى إهتمام بريطانيا السياسي بالهند وجنوب شرق آسيا .غير أن مصالحها السياسية المتجددة دفعتها إلى التركيز على منطقة الشرق الأوسط ...
يمتاز الاستشراق البريطاني بدوافعه الاستعمارية .
كما زاد الاهتمام باللغة العربية في بريطانيا نظرا للمصالح الاقتصادية التي تربط بالشرق الأوسط  .
يمتاز الاستشراق البريطاني بالتخصص بالنسبة إلى دارسيه فنجد كل مستشرق يتخصص بنوع معين من الدراسات الاستشراقية.
وكما كان التخصص النوعي هو ميزة البريطانيين فإن العديد منهم تخصص كذلك في المناطق المشمولة بهذه الدراسة ، فتجد بعضهم يتخصص في مسائل الشرق الأوسط ، والأخر في الدراسات الهندية ولغاتها .وبعضهم في الدراسات الصينية والإفريقية وهكذا .
إن أهم ميزة يمكن أن توصف بها الدراسات الاستشراقية البريطانية هي قيامها على تحقيق الدوافع السياسية الاستعمارية ، لأن ازدهار هذا النوع من الدراسات لم يتم إلا بعد سيطرة بريطانيا على الهند والشرق الاوسط ، وقد شمل الاهتمام الاستشراقي البريطاني إفريقيا السوداء ومصر .ولكنها اهملت إفريقيا الشمالية لأنها وقعت تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي .وبالرغم من سيطرة الدوافع السياسية على الدراسات الاستشراقية البريطانية فإن هذه الدراسات لم تهمل الدوافع الدينية قديما وحديثا وما انتشار البعثات التبشيرية البريطانية في الشرق الأوسط وإفريقيا إلا دليل واضح على ذلك .
خصائص الدراسات الاستشراقية في ألمانيا
تميز الاستشراق الألماني بالدراسات الشرقية القديمة والحقبة الإسلامية واهتم بالآثار والأدب والفن ، وهذا النوع من الدراسات عادة ما يكون خاليا من تحقيق أية أغراض سياسية ولكن الدراسات الاستشراقية الألمانية لم تقتصر على الميادين الكلاسيكية ، فكثرا ما عالجت القضايا الحديثة للعالم العربي والإسلامي ، وهذه المعالجة لا تخلو أحيانا من محاولة تحقيق بعض الأهداف السياسية خاصة قبيل الحرب العالمية الأولى والفترة الوقعة بين الحربين العالميتين .
إن الاستشراق الألماني امتاز عن بقية المدارس الأوروبية الأخرى بغلبة الروح العلمي على أبحاثه والتي تتسم غالبا بالموضوع والتجرد والانصاف .ولكن هذه الروح  العلمية قد استخدمت أحيانا لتحقيق أغراض السياسية .ويضاف إلى ذلك أن الروح العلمية التي تميزت بها المدارس الاستشراقية  الألمانية مبعثها تلك الخصال المميزة للشعب الألماني المجبول على الدقة البالغة ، والعناية الفائقة ، والصبر الجميل ، واتباع المنهج العلمي الصارم بأعلى المقاييس العلمية المتعارف عليها .ومع ذلك فلم يخلو هذه المنهج العلمي الصارم من التحقيق أهداف سياسية


خصائص الدراسات الاستشراقية في إسبانيا :
ومما ساعد على انتشار الثقافة الإسلامية في إسبانيا  بعد خروج العرب منها تخصيص كراس في الجامعات الإسبانية لتدريس اللغة العربية وتكليف العديد من الأساتذة العرب للتدريس بها خاصة في مجال الطب والرياضيات وسائر العلوم المعروفة في ذلك الزمان .
يمتاز الاستشراق الإسباني بالتخصص في الحضارة العربية دون التطرق إلى مجالات الاستشراق الأخرى ، وقد ساعده على ذلك تلك الكنوز الثقافية والأثرية التي  تركها العرب في بلادهم .ولم تتناول الدراسات الإسبانية من الناحية الجغرافية سوى إسبانيا في العهد الإسلامي والمغرب العربي وجزر الكناري .ولم يكن التخصص الفردي من مميزات هذه الدراسات لأن الكثير من الباحثين الإسبان يتناولون الدراسات العربية بصورة شاملة دون التخصص في أحد فروعها .كما أن هذه الدراسات تمتاز بالغزارة والموضوعية لأنها لم تتناول حاضر العالم الإسلامي ولكنها اقتصرت بصفة عامة على التراث العربي المبثوث في إسبانيا المسلمة حيث كشفت عن ذلك التراث ،وحللته ونشرته في الآفاق.
كما امتاز الاستشراق الإسباني أخيرا بالتذبذب دما وجزرا طبقا للظروف السياسية والدينية التي مرت بها إسبانيا ولكنه امتاز فعلا بالغزارة والعلمية والموضوعية في النصف الأول من القرن العشرين بعد أن خبت جدوة الاستعمار الإسباني، وبعد أن  زال التعصب الديني الذي كان أحد العوامل التي استند إليها هذا الاستعمار لإزاحة المسلمين من ديارهم بعد أن عاش الإسبان في كنفهم قرونا من الازدهار والرقي لم تشهدها إسبانيا من قبلهم ولا من بعدهم إلى يومنا هذا .
خصائص الدراسات الاستشراقية في هولندا
وأخيرا امتاز الاستشراق الهولندي في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين بخدمة أهداف الاستعمارية الهولندي في الشرق الأقصى وخاصة الهند وإندونيسيا ، ورأينا كيف أن المستشرقا كبيرا مثل  (( سنوك هرجرونية )) يسخر لخدمة الاستعمار الهولندي في تلك الأصقاع .
خصائص الدراسات الاستشراقية في الاتحاد السوفييتي
تمتاز المدرسة الاستشراقية الروسية باهتمامها بالأدب العربي بصفة خاصة وأنتجت لنا علماء في هذا التخصص أكثر من غيرهم في فروع الدراسات العربية الأخرى كما تراوحت هذه المدرسة بين الدراسة الموضوعية الجادة وبين العداء للإسلام خاصة بعد التغيرات السياسية في روسيا التي حصلت في روسيا بعد الثورة البلشفية ، كما تميزت الدراسات الشرقية الروسية بالاستعانة بسكان آسيا الوسطى وتحضيرهم علميا في هذا المجال ، ودعوة المتخصصين العرب في كلية اللغات الشرقية مثل الشيخ طنطاوي ، ومكي أحمد بن حسين المكي، وغيرهم كثيرون .
وقد ساهم هؤلاء العلماء في رسوخ قدم الاستشراق بما أتاحوا للدارسين الروس تعلم العربية والاطلاع على تراثها
كما تمتاز هذه المدرسة بعدم سعيها إلى تحقيق أغراض دينية أو سياسية ، فلم تكن لروسيا أطماع في الشرق بعد أن احتلت آسيا الوسطى ، وكانت معظم دراستها تمتاز بتحقيق الغرض العلمي المجرد .وأخيرا فإن المدرسة الروسية قد امتازت بتصنيف المخطوطات العربية في أشهر جامعاتها وهي مخطوطة عربية نادرة وثمينة جدا تتناول أعمال المفكرين العرب مثل الفارابي وابن رشد وابن سينا والرازي وغيرهم وهذا الكنز العظيم لا يزال مجهولا لنا وينتظر من ينفض عنه الغبار إذا سمحت الدوائر السوفييتية بذلك .
خصائص الدراسات الاستشراقية في الولايات المتحدة  
لقد وقفت الدراسات الاستشراقية الأمريكية جهودها على تحقيق أهداف سياسية استعمارية ما زلنا نشهد آثارها إلى يومنا هذا .ولم تخل هذه الدراسة مطلقا من تحقيق هذه الأهداف مهما ادعت الموضوعية والعلمية .
فهذه الدولة التي وجدت نفسها- حسب- منطقها – مسؤولية عن أمن العالم وسلامته ، وبعد أن وجدت نفسها في مواجهة السياسية وعسكرية مع دولة أخرى لا تقل عنها قوة ورهبة ، وبعد أن وجدت نفسها تستنفد مواردها الطبيعية الهائلة لإرضاء شهوات شعبها الذي يستهلك أكثر من ثلث الموارد العالمية فإنها قررت الاهتمام بالشرق الأوسط لتأمين الموارد الأولية الضرورية لصناعتها واقتصادها ، ولمواجهة الدولة الأخرى النظيرة لها حتى لا تصل إلى البحار الدافئة ، ولتحقيق أهداه سياسية استعمارية تمليها عليها مصالحها المتباينة خاصة سياسة ملء الفراغ الذي كشفت عنه  منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م ، فقد اهتمت بالدراسات الاستشراقية  لا من أجل تحقيق أهداف علمية صرفة ، ولكن من أجل تحقيق أهداف سياسية واقتصادية واستعمارية بل وحتى دينية ، هذه الأهداف التي ما فتئت تراهن عليها وتسعى إلى تحقيقها بكل سبل .وما حضورها العسكري المباشر في الخليج العربي إلا دليل عملي على صدق ما ندعيه.
خصائص العلمية للدراسات  الاستشراقية 
تتميز المرحلة العلمية للاستشراق بإنشاء المراكز المتخصصة ، وتخصص كل مستشرق في فرع معين من فروع المعرفة الشرقية ، الأمر الذي يعطى للدراسات المطروحة زخمها وجديتها وخصوصيتها .
وكما تتميز أيضا  بإيفاد العديد من المستشرقين إلى الجامعات العربية ، والتدريس بها .وخاصة جامعة القاهرة التي وفد إليها كبار المتخصصين في الدراسات العربية والإسلامية .
قام المستشرقون بنشر النصوص العربية الإسلامية وحققوا المخطوطات وفهرسوها فهرسة علمية .هناك عوامل عديدة ساعدت على اتجاه الدراسات الاستشراقية إلى تحقيق الأغراض العلمية الصرفة .
منها انحسار المد الاستعماري المباشر بعد الحروب العالمية الثانية ، وبرزت الأفكار الجديدة التي تنادي بالمساواة بين الدول ، وحق الشعوب ، وإلغاء الهيمنة والاستعمار .
ومنها تطور طرق البحث العلمية في مجال العلوم الإنسانية هذا التطور المرتبط بالتقدم العلمي في جميع المجالات .
ومنها سهولة الاتصال السريع  والفعال والمأمون بالشرق الإسلامي وشمال إفريقيا نتيجة تحسين طرق الواصلات ...
ومنها تطور المناهج العلمية وفعاليتها ، وذلك بتطبيق مناهج جديدة تساعد على الاستنباط والتحليل والتعليق ...
ومنها إقبال الآلاف من الطلاب الشرقيين على الجامعات الأوروبية والأمريكية
لا تزال الدراسات الاستشراقية الأوروبية تواصل مسيرتها الثقافية في ما يتعلق بالدراسات العربية والإسلامية ، إلا أنها لا تمتاز كسابقتها بالغزارة والعمق .وأصبحت النظرة الحديثة إلى الدراسات الإسلامية تمتاز بالموضوعية وعدم التحامل والعدائية ، وتحاول فهم التيارات الإسلامية الحديثة، التي أخذت في النهوض والتأثير على سياسة الدول العربية والإسلامية ...
واعتمدت الدراسات الاستشراقية على تطبيق منهج علمي صارم على الدراسات الإسلامية ، فوصلت به إلى نتائج علمية باهرة ، إلا أن بعض هذه النماذج لا تؤدي إلى فهم الإسلام ومبادئه وعقيدته كما ينبغي
مناهج المستشرقين
أن جميع المستشرقين أو معظمهم ينكرون نبوة الرسول العربي ويعتبرون القرآن من تأليف محمد أو أصحابه ، وكثيرا كانوا يستخدمون المنهج التاريخي لتفسير الفكر الإسلامي ومبادئه ومعتقداته .وعندما يتناولون الوحي والقرآن والسنة النبوية فإنهم يرجعونها دوما إلى نتاج للتاريخ وليس فكرا وعقيدة جديدة أتت بها الديانة الإسلامية من مصدر إسلامي خالص .
وهناك أسباب أخرى تؤدي بالمستشرقين إلى استخدام مناهج علمية لا تؤدي إلى علمية حقيقية في مجال الدراسات الإسلامية
منها عدم تخصص العديد من المستشرقين في بداية أمرهم في فرع معين من فروع الحضارة الإسلامية ...
ومنها أثر البيئة الأوروبية التي تربي فيها المستشرقون وأخذوا منها مناهجهم .
ومنها اتساع نطاق الفلسفة الوضعية ، وتأثيرها المباشر ...
ومنها أن المستشرق لا ينسى بيئته الأصلية التي تربي وترعرع فيها ، هذه البيئة  العلمية التي أنكرت الماضي ...



أهم المناهج الذي طبقه المستشرقون على الدراسات الإسلامية هو :
أولا: منهج التاريخي قد استخدم في أوروبا لدراسة المسيحية وهو يوافق ذلك وأما عندما يطبق المستشرق هذا المنهج على ظواهر الفكرية الإسلامية _ التي  في حقيقتها مثالية وليست مادية ، فتكون النتائج العلمية ليست صحيحة عند تطبيق هذا المنهج على الدراسات الإسلامية .
يضاف إلى ذلك أن استخدام هذا المنهج يؤدي إلى إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وعدم صدقية الوحي الإلهي ، لأنه يحيل كل شيء إلى ظواهر تاريخية .
ثانيا: المنهج التحليلي الذي طبقه المستشرقون على الدراسات الإسلامية فإنه يعني تفتيت الظاهرة الفكرية إلى مجموعة من العناصر يتم التأليف بينها في حزمة لا متجانسة من العوامل أو الوقائع التي أنشأها .
ثالثا :المنهج الإسقاطي يتمثل في خضوع الباحث إلى هواه ، وعدم التخلص من الانطباعات التي تركتها لديه بيئته .... طبق المستشرقون المنهج الإسقاطي على الدراسات الإسلامية ، ووصلوا بتطبيقه إلى أحكام تعسفية لا صلة لها بالتحليل العلمي السليم .
رابعا:المنهج الأثر والتأثر:  أن المستشرقين استخدموا بطريقة مبتسرة بحيث فسروا الوحي الإلهي ، والفلسفة الإسلامية ، والفقه الإسلامي والسنة النبوية بأنها مستمدة من عوامل خارجية مارست عليها قواعد الأثر والتأثر فعلها ، وكأن هذه الحضارة مجتمعة نابعة من تطبيق هذا المنهج الذي ينفي كل أصالة للدين الإسلامي .
خامسا: منهج المطابقة والمقابلة. هذه أهم المناهج العلمية  التي استخدمها المستشرقون لدراسة الحضارة الإسلامية .
وأخيرا بعد أن ذكرنا منهاج هؤلاء المستشرقون رأينا أن المناهج الغربية  
لا تصلح علميا لدراسة الإسلام وحضارته ، وإنما يجب على الباحث النظر في مناهج الأخرى تصلح أساسا لهذه الدراسة ، وهذه المناهج تستند إلى مفاهيم إسلامية خالصة ، وبدونها لا يمكننا القول بصحة وموضوعية هذه الدراسات التي دبجها المستشرقون عن ديننا وتاريخنا ،علما بأن بعض هذه المناهج الغربية الحديثة قد سبق إليها المفكرون المسلمون الأوائل.
وإن مناهج البحث في العلوم الإسلامية هو الاتباع والأخذ بما جاءت به  الشريعة الإسلامية حتى تكون نتائجه العلمية صحيحة ومتفقة مع روح الإسلام ،وهي  تختلف كثيرا عن مناهج المستشرقين التي طبقوها على الدراسات الإسلامية .
وعموما أن مناهج المستشرقين في مجملها هي مناهج غربية نشأة في بيئات معينة وواجهت ظروفا خاصة ، وقضايا محددة ، هي تختلف من مكان إلى مكان ومن مرحلة زمنية إلى أخرى ، بينما تمتاز المناهج الإسلامية بالثبات والشمول وعدم تغيرها زمانا ومكانا لاستنادها إلى القرآن والنبوة .
الباب الثاني
الاستشراق وبعض القضايا الإسلامية
أولا: الاستشراق والقرآن الكريم
القرآن هو كلام الله المعجز ، المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته .
ومن خصائص القرآن أنه نزل منجما ، إخباره بالغيب ، أن بعضه نزل بمكة وبعضه الآخر نزل بالمدينة ، ويمتاز كل نوع بخصائص فنية ولفظية وعلمية ، احتواؤه على الآيات الناسخة والمنسوخة ، احتواؤه على آيات محكمات وأخر متشابهات .
وهذه هي أهم خصائص القرآن ، وقد تعرض لها المستشرقون بحثا ودراسة وأوردوا عليها مطاعن عدة ، حاولوا من خلالها التشكيك في صحة القرآن وصدوره عن الله .
المستشرقون وترجمة القرآن الكريم
وقد ترجم القرآن إلى السريانية ، زمن ولاية الحجاج بن يوسف في خلافة
((عبد الملك بن مروان )).ويذكر المستشرق الفرنسي المسلم ((مونتليmonteil   ))أن الفيلسوف اليوناني ((نقيطاس ))، الذي عاش في القرن الثالث الهجري قد نقل القرآن إلى اليونانية وهو يشتمل على الترجمة والتعليقات والنقد والرد شأن بقية المترجمين الأوائل .أما ترجمة القرآن إلى لغات الأقوام التي انتشر فيها الإسلام فقد كانت قديمة جدا ، ولكن الذي يهمنا هو ترجمة القرآن إلى اللاتينية أولا ثم إلى اللغات الغربية المعاصرة ثانيا نظرا لتحديد دراستنا بالمستشرقين. فبعد ترجمة القرآن الأولى إلى اللاتينية تحت رعاية (( بطر المبجل )) منذ عام 1143م تلتها ترجمات أخرى لاحقة أهمها التي أنجزها ((توماس هينكلمان t.hinklemann))عام 1694م ثم تلتها ترجمات أخرى لاتينية أشهرها ترجمة العلامة الأب ((ماراتشي ))l.marracci الذي قضى فيه أربعين سنة من عمره بحيث استقى ترجمته من المصادر العربية الأصلية ، وتمت طباعة هذه الترجمة بمدينة بادوا عام 1698م.وعندما ينظر الباحث إلى تراجم القرآن إلى اللاتينية في هذه الأزمنة المتقدمة والمشوبة بالتعصب الكنسي ضد الديانة الإسلامية ومؤسسها يلاحظ عدم قيامها على مبدأ البحث العلمي النزيه .
الغرض من ترجمة القرآن الذي حاول المستشرقون الوصول إليه هو تحقيق أهداف دينية صرفة ، ذلك أن( بطرس المبجل )الذي أشرف على ورعي الترجمة الأولى للقرآن قصد من وراء ذلك إطلاع علماء الغرب ومثقفيه على الكتاب المقدس الإسلامي ، حتى يتمكنوا من معارضته .
المستشرقون ومصادر القرآن
يؤمن المسلمون إيمانا مطلقا بأن مصدر القرآن هو الله سبحانه وتعالى ، الذي أنزله على النبي صلى الله عليه وسلم مدة البعثة ، وهذا الإيمان من الأمور الاعتقادية التي لا مجال للشك .
وأما المستشرقون لا يؤمنون بالمصدر الإلهي للقرآن ، وحاولوا أن يتلمسوا العديد من المصدر أجهدوا أنفسهم للحصول عليها وتبريرها لإرجاع مصادر القرآن إلى عدة عوامل داخلية وخارجية حاولوا البرهنة عليها ما استطاعوا فلم يفلحوا
وبالجملة أن المستشرقين يرجعون مصدر القرآن إلى عاملين رئيسين 
داخلي : وهو مستمد من أعراف الجاهليين وديانتهم ومن أوامر، ومن أحكام ذوي الرأي ، والمكانة العالية بين أقوامهم .
خارجي: وهو مستمد من تعاليم الديانتين اليهودية والمسيحية.
المستشرقون والوحي الإلهي
ونحن كمسلمين نعتقد الوحي الإلهي ، ونسلم به وبأساليبه ، ونؤمن كذلك بالاتصالات الروحية بالملكوت الأعلى ، واستمداد معارفنا من الله عن طريق ليست مألوفة لدينا .ويتميز الوحي بنزوله على عباده الصادقين من عباده.
ذهب المستشرقون مذاهب شتى في تفسير الوحي الإلهي المنزل على النبي العربي ولكنهم أجمعوا على إنكاره ، وأتوا بتفسيرات ، وتعليلات ، وتأويلات حاولوا من خلالها تفسير التصرفات التي تنتاب الرسول إبان نزول الوحي عليه على أن إنكارهم للوحي قادهم بداهة إلى إنكار المصدر الإلهي للقرآن الكريم الذي أجمعوا أيضا على بشريته أيضا .
ومن هنا نصل إلى نهاية هذا البحث مفادها صحة الوحي الإلهي الذي ينزل على الرسول عن طريق جبريل عليه السلام .وهذا الوحي خارج عن الذات المحمدية ، وليس تعبيرا عن اللاوعي أو الشعور ، وليس أثر من آثار الزهد والتصوف اللذين أخذ بهما الرسول فبل البعثة ،...
وما علينا إلا أن نؤمن بأن الوحي هو ما كلف الله به أنبياءه من آياته وكتبه لتبلغيها إلى عباده مهما اختلفت صوره وتعددت ، تصديقا لقوله تعالى(وما كان لبشر أن يكلمه الله  إلا وحيا أو من وراء حجاب  أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ))[سورة الشورى الآية 51].
المستشرقون وجمع القرآن وترتيبه وكتابته ورسمه
يراد بجمع القرآن أمران :
 حفظه واستظهار في النفوس .2.كتابته بعد جمعه من الصحابة والصحف.  وأهم  انتقادات المستشرقين لجمع  القرآن وترتيبه ورسمه لا تخرج عن هذه الشبهات هي:
أنه في أثناء جمع الصحابة للقرآن سقط منه بعض الشيء استنادا إلى بعض الأحاديث الضعيفة ..
ومنها أن الصحابة حذفوا من القرآن بعض الآيات للمصلحة ، كمن زعم أن عليا أسقط آية المتعة .
ومنها قولهم عدم إثبات عمر لآية رجم الزاني الشيخ.
ومنها أن جمع القرآن من صدور الحفاظ على ما كان منهم أحياء وربما بقي بعضه في صدور الأموات ..
ومنها الأغراض السياسية التي لعبت دورا في إسقاط العديد من الآيات التي تمجد عليا وأحقيته في الخلافة .
ومنها أنه قد حصل في القرآن زيادة ونقصان إبان جمعه والدليل على ذلك إنكار ابن مسعود لسورتي المعوذتين من القرآن ، وأن في القرآن ما هو من كلام أبي بكر وكلام عمر
ومنها إنكار نقل القرآن بالتواتر ..
ومنها ضياع العديد من الآيات القرآنية أثناء جمعه استنادا إلى قول عمر ((لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله , قد ذهب منه كثير ولكن ليقل :قد أخذت ما ظهر منه)).وهذه الشبهات التي أوردها المستشرقون .وقد رد عليهم كلها .
الفصل الثاني
المستشرقون والسنة النبوية
السنة هي المصدر التشريعي الإسلامي بعد القرآن وهي بهذه الصفة لها  حجيتها ويجب العمل بمقتضاها إذا ثبت روايتها عن الرسول عن طريق العدل الضابط  إلى الضابط منتهاه بدون شذوذ ولا علة .وأساس حجيتها تستند إلى ما جاء في القرآن من الأمر بطاعة الرسول ، وجعل طاعته طاعة لله تعالى لقوله تعالى ((من يطع الرسول فقد أطاع الله )) وغيرها من الآيات .
درس  المستشرقون السنة بكل الجوانب سواء كان من حيث تدوين أو من حيث الرحلة في طلبه ، أو من حيث أقسامه واغلوا في هذا النقطة وأتوا بتأويلات وتفسيرات شتى حاولوا من خلالها البرهنة على أن معظم الأحاديث موضوعة عن الرسول لأسباب سياسية ومذهبية صرفة وهي أعظم الشبهات التي أوردوها  عليه .

والله أعلم بالصواب
وصلى الله وسلم على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق