مقارنة أديان


موريس بوكاي وكتابه التوراة والإنجيل والقرآن والعلم

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي أنار الوجود بطلعة خير البرية محمد المصطفى عليه أزكى الصلاة وأتم التحية , وارض اللهم عن آل بيته وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين رضوان الله عليهم أجمعين أما بعد :
فقد تكاثرت البحوث والدراسات حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ككتاب الله يتجلى في عصر العلم وغيره من الكتب ولكل أسلوبه في عرض الموضوع وكان ممن كتب في هذا المجال الطبيب الفرنسي موريس بوكاي الذي كان الإعجاز العلمي في القرآن بعد فضل الله هو سبب إسلامه , ولكن كان كتابه يتميز عن الكتب الاخرى لأنه تناول فيه المقارنة بين الكتب السماوية والعلم وهذا راجع إلى أنه كان نصراني قبل أن يسلم وقد كان لكتابه ( التوراة والإنجيل والقرآن والعلم ) الشهرة على مستوى العالم بسبب شهرة هذا الطبيب وأيضا أن الكتاب هذا ترجم إلى سبعة عشرة لغة , وقد كان ذا وقع كبير في الأوساط الأوربية ذلك لأنه ينسف التوراة والإنجيل حيث أنه كشف ما كان القساوسة يخفونه عن أتباعهم وبسبب هذا الكتاب عرف الغرب عن المسلمين وعن القرآن حقائق كانت مكذوبة , وكذب كان يخيل إليهم من سحر لسان قساوستهم أنه صدق ولأجل شهرة هذا الكتاب قررت أن أعمل على تقرير مختصر أعرض فيه الكتاب , لذلك وقبل كل شيء شرعت في قراءته من أوله إلى آخره حتى اتممته فشرعت بعدها في كتابة هذا التقرير والذ حاولت فيه جمع معلومات الكتاب الكثيرة وعرضها في صفحات قليلة وكان من الله التوفيق أن اتمته على وجه يبين جل ما حواه هذا الكتاب ولتسهيل التعامل مع هذه الوريقات شرعت في تقسيمها إلى مقدمة وترجمة للمؤلف ومدخل للكتاب وأربعة أقسام وخاتمة  الأول خصصته للكتاب المقدس ( العدين القديم والحديث ) , والثاني للقرآن والثالث للمقارنة بين الجميع في مقابلة العلم والأخير للمقابلة بين القرآن والحديث ومن الله التوفيق والسداد .

التعريف بمؤلف الكتاب :


موريس بوكاي : ( 1920 – 1998 م )

ولد موريس بوكاي في مدينة بون ليفيك الواقعة في قلب ما يعرف ببلاد الأوج بإقليم نورماندي الأدنى في شمال غرب فرنسا في التاسع عشر من يوليه عام 1920, من أبوين فرنسيين , وترعرع كما ترعرع أبواه في الديانة النصرانية وكان كاثوليكيا , وتلقى موريس تعليمه حتى المستوى الثانويّ في مدرسة كاثوليكية في مدينته الصغيرة.
وقد تميز بذكائه منذ نعومة أظافره حتى أنه ذات يوم ناقش مدرس الدين عندهم في المدرسة حول تضارب بين العلم والتوراة وكان لهذه المناقشة أثر بالغ في حياته فيما بعد وقد ذكر هذه القصة عن نفسه في عام 1987 في لقاء مع علماء وأطباء أميركيين في شيكاغو يقول : "في عام 1935 كنت في الخامسة عشرة من عمري , وكنت ما أزال طالبا في المدرسة المسيحية الكاثوليكية.
في تلك الفترة أعلن الأب بيرونيه Peyrony ، وكان أحد علماء الأحافير الجيولوجية، عن اكتشاف رسوم بشرية في كهف في جنوب إسبانيا أرجع تاريخها إلى  15000 عاما ق م , هذا في الوقت الذي كنا نقرأ فيه في كتاب الدين بالمدرسة أن تاريخ ظهور الإنسان الأول على الأرض يرجع إلى 4000 ق م , أصابتني حيرة فسألت الأب مدرّس الدين: أيّ التاريخان أصدق؟ أجابني قائلا: من فضلك لا تخلط بين شيئين مختلفين , هناك العلم في جانب , والدين في جانب آخر , وعندما يقع تعارض بينهما، فأن ما يقوله الدين هو الحقيقة! قلت له: لا يمكن , هذا مستحيل , هذه حقيقة علمية تمت البرهنة عليها كيف يمكن إرجاع تاريخ ظهور الإنسان على الأرض إلى ما يقوله كتاب الدين؟ .
ومضت الأيام حتى صار موريس في ريعان شبابه توجه قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى العاصمة الفرنسية ليلتحق بكلية الطب بجامعة باريس , وعندما وضعت الحرب أوزارها في عام 1945 كان بوكاي قد أنهى دراسته الأكاديمية ليعمل بعيادة الجامعة جراحا شابا في الأمراض الباطنية مع التخصص في طب الأمعاء , وإلى جانب عمله كان بوكاي يقوم بالتدريس على نحو متقطّع في الكلية , وقد عد هذا التكليف من قبيل التقدير بتفوقه في الدراسة الأكاديمية.
وإذا كان بإمكان بوكاي الاعتزاز بعمق معرفته بالكتب المقدسة اليهودية والمسيحية، فإن ولعه الأصيل بالمصريات يشكّل العامل الثاني في اهتماماته المتنامية منذ سنيّ شبابه الأولى , فالتحق في مطلع الخمسينات بالجمعية الفرنسية للمصريات (التي تأسست في باريس في عام 1923) حيث درس الهيروغليفية - لغة الحضارة المصرية القديمة – وبرع فيها .
لقد شكّل هذان العاملان القوة الدافعة لبوكاي في سنواته التكوينية الغضة. وسيرى المتابعون لأعماله اللاحقة مدي تأثير هذين العاملين فيما توصّل إليه من نتائج وخلاصات. ثمة عامل ثالث أثبت مدى أهميته في بحوثه وأنشطته خاصة المتعلّق منها ببحث التوافق بين الدين من خلال نصوصه المقدسة وبين العلم الحديث. وبدأ تأثير هذا العامل الثالث لدى بوكاي مبكرا في مطلع الخمسينات حين اطّلع على ترجمة للقرآن الكريم للمستشرق الفرنسيّ غاستون بلاشير (طبعة 1949) ففتح له آفاقا لم تكن في حسبانه آنذاك.
وفي عقد الستينات صار بوكاي طبيبا باطنيا مشهورا بموهبته ومعرفته الطبية الواسعة. وفي خلال هذا العقد بدأ مرضى مسلمون يزورونه لتلقى العلاج , وفي حواراته مع بعضهم – التي أشار إليها بنفسه فيما بعد على أنها كانت بمثابة "مصادمات حضارية" – أظهر بوكاي مدى تأثّره بما تلقاه في مقاعد الدراسة من معلومات عن ديانة كان يسميها أساتذته "المحمدية" وعن كتاب المسلمين الذي كان يعتقد أنه كتاب وضعيّ بشريّ من تأليف إنسان , وعندما سأله واحد من المرضى عن اللغة التي قرأ بها القرآن رد بوكاي بحسم: " بالفرنسية طبعا!" حينها اقترح عليه المريض المسلم أن يقرأ القرآن بالعربية أولا قبل أن يتبنى أحكاما مبنية على معلومات خاطئة.
وفي خريف عام 1969 عاد بوكاي إلى مقاعد الدراسة في جامعة السوربون – معهد اللغات الشرقية - لكي يدرس اللغة العربية دراسة نظامية , وفي عام 1972 بعد سنوات أربع في المعهد صار بوكاي ضليعا في اللغة العربية.
وقد برهنت دراسة بوكاي للغة العربية على جدواها وفاعليتها عندما قرأ القرآن الكريم بها قبل زيارته لمصر للمرة الأولى في صيف عام 1974 ليقترح مشروعا بحثيا متعلّقا بتحديد مومياء فرعون الخروج الذي طارد النبي موسى وبني إسرائيل ولقي مصيره غرقا في البحر , وكانت معرفته بالسيدة جيهان السادات - إذ عالج بنجاح قريبا لها قبل سنوات في باريس - الباب الذي يسّر إقناع الرئيس السادات بفحص وعلاج مومياوتيّ رمسيس الثاني وابنه ميرنبتاح , وكان السادات هو الذي قدمه ليكون ضمن الفريق المعالج للملك فيصل عاهل السعودية وكان لوجوده في السعودية أثر كبير في مشواره الإسلامي وهو يشير في كتبه أنه تعلم كثيرا من الملك وحاشيته خلال الفترة التي أقام بها في السعودية .
لقد أسهمت معرفة بوكاي بالعربية في تميّز محتوى كتابه الأول الظاهرة "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث" المنشور في عام 1976. وفي مطلع الثمانينات شعر بوكاي بضرورة تخصيص وقته كله للبحث العلميّ والدراسات المقارنة فأغلق عيادته في عام 1982. وفي المحصلة النهائية فقد أثارت آراء وبحوث بوكاي الخاصة بالمصريات والدراسات الدينية المقارنة جدلا شديدا في وطنه وخارجه ولكن القدر الذي أثارته من الاهتمام والتقدير فاق بكثير مقدار الجدل. وبقيت دراساته شاهدة على روح البحث العلميّ النزيه والموضوعيّ في آن واحد.
وهناك قصة يتناولها الناس على الأنترنت أن بوكاي كان قد اكتشف أن فرعون مات غريقا فأراد أن يكشف عن هذه الحقيقة وقد كان متحمس لها فقال له أحد أصدقاءه أن المسلمين يدعون أن القرآن أخبرهم بهذا .... والقصة طويلة لكن يقال أنه أسلم بسبب هذا .
وهذه القصية غير صحيحة لأنه كان مسلما لما بدأ أصدقاءه العمل على تشريح جثة الفرعون ولم يكن هو من يدرس تشريحها وقد نشر كتابه قبل خروج العلماء بنتيجة التحليل النهائية وهذا الكلام موجود في كتابه ( القرآن والتوراة والإنجيل والعلم ) ولكن يشير إلى  أن هناك أدلة أولى من الفحص تدل على أنه مات غريقا .
توفي الدكتور موريس بوكاي في باريس في الثامن عشر من فبراير عام 1998.
  
مدخل عام للكتاب :
قبل الدخول في تفاصيل الكتاب سأذكر نبذة تعريفية به لفهم موضعه أكثر واستيعاب ابعاده وهذه الكلمات بعضها مني وبعضها من مقدمة الكتاب نفسه فهذا لكتاب يعتبر  في وقته إسهاما جديدا في هذا المجال أي : مقارنة الكتب السماوية بالعلم وقد عالجه معالجة علمية ، فيذكر من الأمثلة ما يثبت بها إمكانية دراسة ما في الكتاب المقدس بشكل عام والقرآن الكريم بشكل خاص دراسة تطبيقية ، تزيد في فهم بعض الآيات ، ويفتح الطريق أمام مزيد من البحث والمناقشات المفيدة .
وأوضح الكاتب في مقدمة الكتاب ان القرآن وقد اتى بعد المسيح بقرون ستة , يتناول معطيات عديدة جاءت في التوراة العبرية , والأناجيل ، لذلك فهو - أي القرآن - يذكر التوراة والانجيل كثيرا . والقرآن يوصى كل مسلم بالإيمان بالرسل وبالكتب السابقة قال تعلى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136]، وهكذا فإن القرآن يؤكد المكانة البارزة التي يحتلها رسل الله في تاريخ التنزيل مثل نوح وابراهيم وموسى وعيسى .‏
ويؤكد الكاتب أن المعطيات الخاصة بالإسلام لا تزال مجهولة في بلاد الغرب ، ويفسر ذلك بأن الطريقة التي اتبعت في تثقيف الأجيال الكثيرة فيما يتعلق بالقضايا الدينية لدى الإنسان وكيف فرض عليهم الجهل في كل ما يمس الاسلام .. ويوضح أن الاستعمال السائد حتى اليوم في التسميات مثل الدين المحمدي والمحمديين ليدل على الرغبة في أن تظل النفوس مقتنعة بذلك الرأي الخاطئ بأن تلك معتقدات انتشرت بفضل جهاد رجل وانه ليس رسولا مبعث من الله .
ويؤكد الكاتب بموضوعية تامة أن القرآن الكريم يثير وقائع ذات صفة علمية ، وهى وقائع كثيرة جدا ، خلافا لقلتها في التوراة ، إذ ليس هناك أي وجه للمقارنة بين القليل جدا لما أثارته التوراة من الأمور ذات الصفة العلمية ، وبين تعدد وكثرة الموضوعات ذات السمة العلمية في القرآن ، وأنه لا يتناقض موضوع ما من مواضيع القرآن العلمية مع وجهه النظر العلمية ، وتلك هي النتيجة الاساسية التي تخرج بها دراستنا .‏
وسنرى في نهاية هذا كيف أن الأمر يختلف تماما فيما يتعلق ببعض الأحاديث النبوية غير القطعية والتي تخرج عن نطاق الوحى القرآني ، إذ أن هناك بعض الأحاديث ظنية الثبوت مما لا يمكن قبولها علميا ، غير أن هذه قد خضعت لدراسات جادة اتباعا لمبادئ القرآن الصريحة التي تأمر دائما بالرجوع إلى العلم والعقل اللذين يسمحان للناقد بنفي صحتها على ضوء حقائق القرآن .‏
ولكن قبل أن يذكر الأمثلة يبين منهجه في المقابلة فيقول :  أن هذه التأملات حول الصفة المقبولة أو غير المقبولة علميا لمقولة في كتاب مقدس تتطلب منا إيضاحا دقيقا ، إذ علينا أن نؤكد أننا عندما نتحدث هنا عن حقائق العلم فإننا نعنى بها كل ما قد ثبت منها بشكل نهائي , وأن هذا الاعتبار يقضى باستبعاد كل نظريات الشرح والتبرير التي قد تفيد في عصر ما لشرح ظاهرة ، ولكنها قد تلغى بعد ذلك تاركة المكان لنظريات أخرى ملائمة للتطور العلمي , بل ما أعنيه هنا هو تلك الامور التي لا يمكن الرجوع عنها ، والتي ثبتت بشكل كاف بحيث يمكن استخدامها دون خوف الوقوع في مخاطرة الخطأ ، حتى وإن يكن العلم قد أتى فيها بمعطيات غير كاملة تماما.‏
أما القضايا الدينية بالمعنى الحقيقي للكلمة . فليس للعلم مثلا أن يقدم أي شرح لكيفية ظهور الله تعالى لموسى أو أن يحل اللغز الذى يحيط بمجيء المسيح على الارض دون أن يكون له أب جسدي بيولوجي .
مقد بين الكتب أنه قام بدراسة القرآن الكريم دون أدنى فكر مسبقة وبموضوعية تامة باحثا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث , وبنفس الموضوعية قام بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل
وقد وصل إلى نتيجة أن القرآن كلام الله لم تنله يد البشر بالتحريف , أما الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد فقد حرفا وكتبا بيد بشر وهذا ما سيتبين من خلال عرض الكتاب وأبدأ أولا .

أولا : الكتاب المقدس ( العهد القديم والعهد الجديد ) :
يبدا الكتاب أولا بالتوراة وهي تشكل العهد القديم من الكتاب المقدسة كما يسمونه فيبدأ المؤلف بالتعريف بها ما هي ومتى كتبت وكم هي عدد اسفارها وما هي نظرة النصارى حولها ويشير في جوابه على هذا السؤال الأخير أنهم يقولن بانها كلمة الرب مع انها كتبت بواسطة بشر ألهمهم روح القدس؟ , ثم يشير بعد ذلك إلى التناقضات التي فيها وكيف أن علمائهم يدافعون عن هذه التناقضات بحجج ببهلوانيات جدلية كما يسميها  ومن ذلك دفاع مجمع الفاتيكان عن الكتاب المقدس بشكل عام ثم يذكر وثيقتهم التي تخص الكتاب المقدس والتي تنص على أن الكتاب خضع لدراسة كبيرة امتد اكثر من ثلاث سنوات ويقدمون ضمانات للقارء أن النص الذي بين يده صحيح وهو كلمة الرب ثم يعقب الكاتب فيقول ولم يرد بذهن القراء أن هذه الصحة قابلة للنقاش , ثم بعد ذلك يذكر الدراسات السابقة التي تناولت الكتاب المقدس , وشير إلى أن أثر الدراسات السابقة لم تكن موضوعية إلا أنهم يشيرون إلى وجود مشاكل متعلقة بالتناقض , وكذلك مخالفة بعض النصوص للعلم الحديث.
ثم يشير بعد ذلك وهو في  محمل مقارنة التوراة بالعلم أن التوراة لا تحتوي إلا على القليل من الحقائق العلمية مقارنة بما يحتويه القرآن الكريم وهذا نص القول كما ذكره المؤلف : ( ليس هناك أي وجه للمقارنة بين القليل جدا لما أثارته التوراة من الأمور ذات الصفة العلمية ، وبين تعدد وكثرة الموضوعات ذات السمة العلمية في القرآن .
ثم يشرع بعد ذلك بذكر أمثلة عليمة لتطبيق المقارنة بين التوراة وبين العلم مشيرا في ذلك إلى التناقض الصريح والواضح  ومن الأمثل التي ذكرها :
وجود الإنسان على الأرض :
عندما يشير الكاتب إلى العهد القديم ( التوراة ) في مقارنته بالعلم يقول : (أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول ، أي سفر التكوين ، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخا في عصرنا  ) ومن ذلك وجود الإنسان على الأرض فإننا نجهل التاريخ التقريبى لظهور الإنسان على الأرض ، غير أنه قد اكتشفت آثاره لأعمال بشرية نستطيع وضع تاريخها فيما قبل الألف العاشرة من التاريخ المسيحي دون أن يكون هناك أي مكان للشك . وعليه فإننا لا نستطيع علميا قبول صحة نص سفر التكوين الذى يعطى أنسابا وتواريخ تحدد أصل الانسان خلق آدم بحوالي قرن قبل المسيح , وربما استطاع العلم في المستقبل أن يحدد لذلك تواريخ فوق تقديراتنا الحالية , وبناء على ذلك فإن معطيات التوراة الخاصة بقدم الإنسان غير صحيحة .‏
أما عن الإنجيل فقد تناوله بنفس الطريقة التي تنال فيها التوراة والمشار إليها سابقا ثم ظرب أيضا أمثلة على تناقض الإنجيل للعلم ومن ذلك قوله : أما بالنسبة للأناجيل فما نكاد نفتح الصفحة الأولى منها حتى نجد أنفسنا دفعة واحدة في مواجهة مشكلة خطيرة ونعنى بها شجرة أنساب المسيح . وذلك أن نص إنجيل متى يناقض بشكل جلى انجيل لوقا وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمرا لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض.‏
ثم بعد ذلك يعلق بقوله : غير أن وجود هذه الامور المتناقضة وتلك التي لا يحتملها التصديق ، وتلك الاخرى التي لا تتفق والعلم ، لا يبدو لي أنها تستطيع أن تضعف الإيمان بالله ، ولا تقع المسؤولية فيها إلا على البشر ، ولا يستطيع أحد أن يقول كيف كانت النصوص الأصلية ، وما نصيب الخيال والهوى في عملية تحريرها .
أو ما نصيب التحريف المقصود من قبل كتبة هذه النصوص ، أو ما نصيب التعديلات غير الواعية التي أدخلت على الكتب المقدسة , وإن ما يصدمنا حقا في أيامنا هذه أن نرى المتخصصين في دراسة النصوص يتجاهلون ذلك التناقض والتعارض مع الحقائق العلمية الثابتة ، أو يكشفون عن بعض نقاط الضعف ليحاولوا بعد ذلك التستر عليها مستعينين في ذلك ببهلوانيات جدلية , وذكر أمثلة لاستخدام بعض كبار المفسرين لصيغ براقة دفاعا عن إنجيلي متى ويوحنا ومدحا لهما مشيرا إلى أن استخدام مثل هذه الوسائل للتستر على تناقض أو على امر بعيد التصديق - مما يسمونه صعوبة استحياءً - قد كان ناجحا في كثير من الأحيان . وهذا ما يفسر لنا كيف أن كثيرا من النصارى ظلوا يجهلون نقاط الضعف الخطيرة في كثير من المقاطع في العهد القديم وفي        الأناجيل , وسيجد القارئ في الجزأين الأول والثاني من الكتاب أمثله صحيحة في ذلك .‏
ثانيا : القرآن الكريم :
يبدا أيضا المؤلف في هذا الجزء بالتعريف بالقرآن الكريم كما عرف بالتوراة والإنجيل ويذكر إن تنزيل القرآن تاريخا يختلف تماما عن تاريخ العهد القديم والأناجيل , فتنزيله يمتد على مدى عشرين عاما تقريبا وبمجرد نزول جبريل به على النبي صلى الله عليه وسلم كان المؤمنون يحفظونه عن ظهر قلب ، بل قد سجل حتى في حياة محمد صلى الله عليه وسلم . وجمع ونسخ في عهد الخلفاء الراشدين تحت رقابة الصحابة الذين كانوا يعرفون النص حفظا ، بعد أن تعلموه في نفس زمن التنزيل وتلوه دائما فيما بعد ، ومعروف أن النص منذ ذلك العصر قد ظل محفوظا بشكل دقيق .
إن القرآن الكريم ، وقد استأنف التنزيلين اللذين سبقاه لا يخلو فقط من متناقضات الرواية - وهى السمة البارزة في مختلف صياغات الأناجيل - بل هو يظهر أيضا لكل من يشرع في دراسته بموضوعية وعلى ضوء العلوم طابعه الخاص , وهو التوافق التام مع المعطيات العلمية الحديثة ، بل أكثر من ذلك ، وكما أثبت الكاتب ، فإن القارئ يكتشف فيه مقولات ذات طابع علمي من المستحيل معها تصور أن إنسانا في عصر محمد صلى الله عليه وسلم قد استطاع أن يؤلفها , ثم يعقب على الكلام السابق فيقول : ( ولا عجب في هذا إذا عرفنا أن الإسلام قد اعتبر دائما أن الدين والعلم توأمان متلازمان , فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءا لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام , وأن تطبيق هذا الأمر هو الذى أدى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الإسلامية تلك التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا , وإن التقدم الذى تم اليوم بفضل المعارف العلمية في شرح بعض ما لم يكن مفهوما ، أو في شرح بعض ما قد أسيء تفسيره حتى الآن من آيات القران ليشكل قمة المواجهة بين العلم والكتب المقدسة , ويواصل الكاتب طرح استنتاجاته الموضوعية على ضوء دراسة تامة ومتأنية للكتب المقدسة المذكورة عبر صفحات شائقة في تناولها هامة في دلالتها ؛ إذ تؤكد نحو مائة وأربع وخمسون صفحة في الكتاب أن القرآن الكريم جمع فأوعى كل ما تناوله العلم الحديث دونما اختلاف , وتؤكد الدراسة أيضا أن القرآن الكريم هو دستور البشرية في كل مجالاتها , ومن المهم الإشارة إلى أن الكاتب يقول أن معرفتي بالقرآن كانت وجيزة ، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن الكريم لا يحتوى على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث , وقد ضرب أمثلة كثيرة على توافق العلم مع القرآن ومن ذلك :
خلق السموات والأرض :
يذكر أولا عملية تكون الكون الأساسي وينطلق من قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30] , وهو ما أثبته العلم أن الكون كان كتلة غازية وهو ما عبر عنه القرآن بالدخان وكان ملتصق مع بعضه البعض ثم انفصل مصداقا لقوله تعالى : {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} , ثم يتطرق إلى تعدد السموات والأرض ويذكر تفاصيل كثيرة عن علم         الفلك ( الشمس – النجوم – الكواكب – المجرات ) ثم ينتقل إلى تعاقب الليل والنهار , ثم يشير إلى توسع الكون مستدلا بقوله تعال : {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]  , وكذلك غزو الفضاء ثم ينتقل بعد ذلك إلى الأرض فتكلم عن التضاريس مثل الجبال ووظيفتها التي أثبتها العلم وهو ما يتطابق مع قوله              تعالى :  {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الأنبياء: 31] ,  وقوله : {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 7]  ولوتد ما يثبت الخيمة في الأرض كذلك الجبال كالوتد بالنسبة للأرض , ثم يتطرق إلى دورة المياه من البحار إلى الأمطار إلى العيون , ويشير إلى وجود ماء عذب في بحار مالحة لا تختلط ببعضها مصداقا لقوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا } [الفرقان: 53]  , وقوله : {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ } [الرحمن: 19، 20] , ثم يذكر مسألة الارتفاع في الجو وأن ذلك يسبب ضيق في الصدر ويصعب التنفس مصداقا لقوله تعالى في حكايته عن الكفار : {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125]  , ثم يذكر بعد ذلك الكهرباء الجوية ( البرق ) ثم يأتي إلى مسألة الظل , ثم يتطرق إلى عالم الحيوان والنبات ثم يذر أصل الحياة ثم يعلق على نظرية دارون في أصل الأشياء ثم يتأمل في عجائب النحل والعناكب والطيور التي ذكرت في القرآن ويؤيدها العلم إلى غير ذلك من الحقائق العلمية الثابتة التي ذكرت في القرآن وأيدها العلم التي لا يسمح المجال بذكرها ثم يقول : كل هذا يصل بنا إلى أن هذا القرآن منزل من لدن الله ولا يد للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أو أي بشر في كتابته ( أي تأليفه ) .
مقارنة بين الكتب الثلاثة والعلم الحديث :
وهذا المبحث خصص للمقارنة بين روايات الكتب الثلاثة ( التوراة – الإنجيل – القرآن ) في مقابلة العلم , أي رواية من الكتب الثلاثة توافق العلم وقد بدأ أول ما بدأ بذكر نسب المسيح الذي تختلف الكتب الثلاثة في رواية هذا النسب ثم يذكر مسألتين ذكرت في التوراة وفي القرآن ويمكن مقارنتها بالعلم وهي :
أولا :  الطوفان : 
ثانيا : خروج موسى :
أولا : الطوفان وذكر الفروقات بين الروايات :
يتكلم الكاتب في هذا الموضوع ويتوسع ويذكر تفاصيل كثيرة لا يمكن ذكرها لطول الموضوع ولكن سأركز على نقاطه الأساسية بذكر الخلاف بين الروايات وهي على النحو التالي :
حدد القرآن مفهوم الطوفان باعتبار أنه عقوبة إلهية للكافرين من قوم نوح لعدم الإيمان برسالته وعبادتهم للأصنام .
في حين أن التوراة تتحدث عنه كعقوبة دمرت العالم كله من البشرية الكافرة وهذا لا يمكن وسيأتي بيانه .
القرآن لا يصرح بتاريخ محدد لحدوث الطوفان .
بعكس التوراة التي قدمت أكثر من تاريخ يستحيل أن يكون أي منها دقيقا .
أما أسبابه وكيفية حدوثه فهي واحدة تقريبا في القرآن والتوراة .
يحدد القرآن محتوى سفينة نوح عليه السلام على نحو دقيق.
في حبن تختلف رواية التوراة في تحديد محتوى السفينة , وهذا الاختلاف والتناقض فيما بين الروايات في الكتاب المقدس دليل على تحريفه .
تقول التوراة ان المكان الذي جنحت إليه السفينة هو جبل آرارات .
أما القرآن فهو يقول أنه ( الجودي) ، وهذا الجبل موجود بأعلى قمم جبال آرارت بأرمينيا .
ثم يذكر الكاتب النتيجة وهي أن رواية التوراة غير مقبولة لسببين :
1- يعطي العهد القديم للطوفان طابعا عالميا , أي أن الطوفان شمل العالم كله ومن الثابت أنه في الوقت الذي حدد لحدوث الطوفان وتدميره للبشرية كانت هناك حياة شعوب ذات حضارة آثارها ما زالت باقية مستمرة في بلد مثل مصر مثلا ، ومن المضحك استنادا للمعلومات التاريخية والآثار التي لا تزال موجودة أن يتصور أحد أن الطوفان قد أهلك عند حدوثه كل الحضارات في بلاد العالم مثل مصر واليونان ... وهنا يظهر التناقض بين التوراة والمعلومات التاريخية.
2- لم يعط النص اليهوي تاريخا محددا للطوفان ... بعكس النصوص الكهنوتية التي حددت له وقتا من المستحيل أن يكون قد وقعت فيه كارثة عالمية ، وقد بين ذلك الكاتب بالاعتماد على أرقام وتواريخ ذكرت بالتوراة في مقابلة آثار ونصوص في التوراة نفسها تعطي ارقام متضاربة  .
ثانيا : الخروج وذكر الفروقات بين الروايات :
يشير الكاتب إلى أن رواية التوراة والقرآن عن خروج موسى وبني إسرائيل من مصر متفقة إحداهما مع الأخرى في المحاور الرئيسية وهناك بالتأكيد بعض الاختلافات ، ولكن لرواية التوراة قيمة تاريخية لأنها تضعنا على طريق اكتشاف شخصية فرعون أو بالأحرى الفرعونين المعنيين بالأمر .. ويعطي القرآن معلومات إضافية بشأن قصة الخروج .
الخروج حسب رواية التوراة :
تتحدث التوراة عن عصر اضطهاد اليهود على يد فرعون حيث فرض عليهم أن يلقوا إلى النهر بكل طفل ذكر يولد لهم ليحد من تزايدهم السكاني .
يذكر القرآن الكريم أن وسيلة التخلص من أطفال إسرائيل كانت الذبح وليس الإلقاء في النهر ، وكان موسى عليه السلام هو الوحيد الذي أوحى الله إلى أمه أن تلقيه في النهر ، ولم تحتفظ به أمه ثلاثة أشهر كما تقول التوراة بل تم إلقاؤه في النهر فور ولادته حتى لا يكتشف أمر ولادته ويتعرض للذبح  .
تقول التوراة أن ابنة فرعون التقطته وأوصت أخت موسى ابنة فرعون بأن ترضعه أم موسى ... وذلك لعزوفه عن الرضاعة حتى يكبر ويسافر لمدين ويمكث هناك طويلا .
ولكن القرآن يقول أن آل فرعون هم الذين التقطوا موسى من النهر .
وتقول التوراة " وأثناء هذه الفترة الطويلة مات ملك مصر " ويأمر الله موسى أن يذهب للقاء فرعون ليخرج بني إسرائيل من مصر ويساعده أخاه هارون في هذه المهمة .
أشار القرآن إلى الهدف من رجوع موسى إلى مصر  وهو دعوة الفرعون وقومه إلى الإيمان بالله والكف عن ادعاء الألوهية.
ويرفض فرعون خروج بني إسرائيل بعد إصراره على الكفر... ويظهر الله لموسى من جديد ويأمره أن يكرر الطلب ، ويثبت موسى لفرعون بالسحر أن له قوى خارقة للطبيعة .
بالطبع لم تكن معجزات موسى تعتمد على السحر كما وضح القرآن .
وينزل الله ضرباته المعروفة : مياه النيل تتحول إلى دم وغزو الضفادع والناموس والنعرة وموت القطعان وظهور الأورام على جلود البشر والحيوانات وسقوط البرد والجراد والظلمات وموت المولود البكر .
علما أن في القرآن لا يذكر هذه الضربات كما يذكرها التوراة بل يذكر خمسة فقط وهي ( الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ).
ورغم ذلك يرفض فرعون خروج العبريين ، فكان أن خرجوا خلسة .
القرآن ذكر الخروج دون تحديد لعدد بني إسرائيل بعكس التوراة التي حددتهم بستمائة الف رجل مع أسرهم وهو ما يصعب تصديقه .. ويستحيل تصور إعاشة مثل هذا العدد الكبير في الصحراء الواقعة بين مصر وفلسطين .
وخرج خلفهم فرعون بجيشه ومركباته .. ويشق موسى البحر بعصاه فعبر , ثم عبر خلفه فرعون وجنوده فغطاهم الماء وغرقوا جميعا , ولا تذكر التوراة كلمة واحدة عن مصير جثة هذا الفرعون.
أما القرآن فقد ركز على أن إنقاذ فرعون إنما كان ببدنه جثة هامدة بعد أن مات غرقا وهو ما لم تذكره التوراة ، ونص عليه القرآن لأهميته ومغزاه { الْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } [يونس : 92] وقد ثبت تشريح الفرعون الذ وجد في مقبرة الملوك أنه مات غرقا وهو الأن موجود في متحف القاهرة .
للمقابلة بين القرآن والحديث النبوي :
لن أتطرق إلى التفاصيل ولكني سأشير إشارات إلى ما ذكره الدكتور موريس الذي يبدأ كلامه بتشبيه الحديث الشريف بالكتاب المقدس من حيث أنه كتب بيد أشخاص لم يقابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأثنين كتبا بعد وفات صاحبيهما ( عيسى , ومحمد ) عليهما الصلاة والسلام , وأن الحديث ينقسم إلى قسمين منها ما هو في أمور الدين , ومنها ما هو في امور الدنيا أما الأول فلا نقاش فيه أما الثاني فمحل نظر وتمحيص وخصوصا ما خالف منها العلم وكذلك ما يذكر بخصوص الطب والتداوي ويستدل على كلامه هذا بحديث ورد في صحيح مسلم عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به , وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فأنمنا أنا بشر ) وكذلك ما نقله السرخسي عن النبي قوله : (إذا أتيتكم بشيء من أمر دينكم فاعملوا به , وإذا أتيتكم بشيء من أمر دنياكم فانتم أعلم بأمر دنياكم ) وقبل الختام لا بد أن أشير إلى أنه يتكلم عن الأحاديث في صحيح البخاري وخصوصا كتاب الطب وهذا الأمر يحتاج إلى مراجعة وتدقيق ودراسة من مختص في هذا الموضوع والله أعلم .

خاتمة عـامة :
يخرج الكاتب بعد إكمال الكتاب بخاتمة وهي بمثابة نتائج وقد نقلت منها بعض النصوص لما فيها من الفائدة وهي تعتبر ايضا بمثابة خاتمة لهذا التقرير المتواضه وقد أشار الكاتب إلى هذه النتائج بقوله : يبدو واضحا أن الرأي السائد المتمسكك به في الغرب عن نصوص الكتب المقدسة التي في حوزتنا اليوم لا يستقيم مع الواقع . ولقد رأينا في أي ظروف وفي أي عصور وبأي طريقة جمعت ونقلت كتابة العناصر التي شكلت العهد القديم والأناجيل والقرآن , ولما كانت الظروف التي سادت ميلاد كتابات كل من التنزيلات الثلاثة قد اختلفت اختلافا شاسعا , فقد نجمت عن ذلك نتائج بالغة الأهمية فيما يتعلق بصحة النصوص وببعض جوانب مضامينها ومن ذلك .‏
إن العهد القديم يتكون من مجموعة من المؤلفات الأدبية , أنتجت على مدى تسعه قرون تقريبا ، وهو – العهد القديم - يشكل مجموعة متنافره جدا من النصوص عدل البشر من عناصرها عبر السنين ، وقد أضيفت أجزاء لأجزاء أخرى كانت موجودة من قبل ، بحيث إن التعرف على مصادر هذه النصوص اليوم عسير جدا في بعض الأحيان .
لقد كان هدف الأناجيل هو تعريف البشر ، عبر سرد أفعال وأقوال المسيح ، بالتعاليم التي أراد أن يتركها لهم عند اكتمال رسالته على الأرض , والسيئ هو أن الاناجيل لم تكتب بأقلام شهود معاينين للأمور التي أخبروا بها ، إنها ببساطة تعبير المتحدثين باسم الطوائف اليهودية المسيحية المختلفة عما احتفظت به هذه الطوائف من معلومات عن حياة المسيح العامة وذلك في شكل اقوال متوارثة شفهية أو مكتوبة اختفت اليوم بعد أن احتلت دورا وسطا بين التراث الشفهي والنصوص النهائية .‏
إن مقارنة عديد من روايات التوراة مع روايات نفس الموضوعات في القرآن تبرز الفروق الاساسية بين دعاوى التوراة غير المقبولة علميا وبين مقولات القرآن التي تتوافق تماما مع المعطيات الحديثة ، ولقد رأينا دليلا على هذا من خلال روايتي الخلق والطوفان ، وعلى حين نجد في نص القران ، بالنسبة لتاريخ خروج موسى معلومة ثمينة تضاف الى رواية التوراة وتجعل مجموع الروايتين يتفق مع معطيات علم الآثار بما يسمح بتحديد عصر موسى نجد فيما يتعلق بموضوعات أخرى فروقا شديدة الأهمية تدحض كل ما قيل ادعاءه ودون أدنى دليل عن نقل محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة بعض نصوص القران.‏
وفى نهاية الأمر فإن الدراسة المقارنة من ناحية الدعاوى الخاصة بالعلم ، تلك التي يجدها القارئ في مجموعات الأحاديث التي نسبت الى محمد صلى الله عليه وسلم والتي يشك في صحتها غالبا وإن عكست مع ذلك معتقدات العصر وبين المعطيات القرآنية ذات نفس الطابع من ناحية أخرى توضح بجلاء اختلافا يسمح باستبعاد فكرة شيوع الأصل بين القرآن الكريم والأحاديث .‏
ولا يستطيع الإنسان تصور أن كثيرا من المقولات ذات السمة العلمية كانت من تأليف بشر بسبب حالة المعارف في عصر محمد صلى الله عليه وسلم , لذا فمن المشروع تماما أن ينظر إلى القرآن على أنه تعبير الوحى من الله وأن تعطى له مكانة خاصة جدا حيث إن صحته أمره لا يمكن الشك فيه وحيث إن احتواءه على المعطيات العلمية المدروسة في عصرنا التي تبدو كأنها تتحدى أي تفسير وضعي , وأن أي محاولة تسعى لإيجاد تفسير للقرآن بالاعتماد فقط على الاعتبارات المادية , لا بد وأن يعتليها شيء من الغموض وعدم إعطاء الآية المعنى الحقيقي الذي تتضمنه .
هذا والله أعلم وأحكم ختاما أرجوا أن اكون قد وفقد في عرضي للكتاب وأخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين
*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق