عرض كتاب رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة

عرض كتاب : رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة - تأليف محمد بن سالم الدوسري .


بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله واصحابه ومن اقتدى بهم إلى يوم الدين رضوان الله عليهم اجمعين وبعد :
فإن كتاب رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة هو رد على الحلبي الذي ألف رسالة سماها (الأجوبة المتلائمة على فتوى اللجنة الدائمة) وهذه الرسالة جاءت بعد أن ردت اللجنة الدائمة على كتابي الحلبي المسماة : ( التحذير من فتنة التكفير ) و (صيحة نذير بخطر التكفير) ، حيث إن اللجنة الدائمة بينت على سبيل الإجمال ما تضمنه هذان الكتابان من أخطاء في مسائل الإيمان والتكفير وها انا ذا احاول تلخيص ما جاء في كتاب رفع اللائمة أسأل الله التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين .
لقد بدأ المؤلف للأستاذ/ محمد بن سالم الدوسري كتابه ( رفع اللائمة ) بتقديم لعلماء اللجنة الدائمة وقد كانت كتاباتهم مختلفة فكل واحد منهم قدم بطرقة تناول فيها موضوع غير الذي تناوله غيره وسأذكر نبذة من تقديم كل واحد منهم وهم خمسة وأبدأ بما بدا به صاحب الكتاب وهو :
تقديم
فضيلة الشيخ
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
وقد ركز الشيخ بعد حمد لله والثناء عليه على موضوع الإرجاء وخطورته على المجتمع وعلى الناس وذك في ذكر أقوال أهل العلم كقتادة وسعيد بن جبير حين قال : المرجئة يهود القبلة وقول النخعي : لآئار المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة ثم ختم كلامه بمدح كتاب رفع اللائمة والثناء على مؤلفه .

تقديم
فضيلة الشيخ
صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان
قسم الشيخ مقدمته على شكل نقاط وهي على النحو الآتي :
أولا : ثناء على الكتاب ومؤلفه في رده على الحلبي ببتر أقوال العلماء وكذلك بالتشكيك في اللجنة الدائمة .
ثانيا : دعوة للحلبي أن يكتفي بما كتبه السلف في موضوع الإيمان وأن لا يوقظ الفتنة النائمة حتى لا يكون مدخل لأهل الشر على أهل السنة .
ثالثا : يدعو الحلبي انه إذا اراد نقل أقوال اهل العلم يجب عليه نقل القول كاملا وان يجمع كلام العالم في المسألة من كتبه ولا يكتفي بقول واحد في احد كتبه حتى يتضح مقصد العالم فيما اراد من كلامه .
تقديم
فضيلة الشيخ
عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
ايضا بدا الشيخ مقدمته بالثناء على الكتاب ومؤلفه ثم ذكر نقطة نقل الحلبي لأقوال أهل العلم وبترها حتى توافق مذهب المرجئة من أن الإيمان لا يكون إلا في القلب وبين خطأه وأنه مخالف للقرآن والسنة وأقوال أهل العلم , ثم دعى الحلبي إلى أن يعترف بخطاه ويعود إلى منهج أهل السنة وان يستخدم فصاحته وبلاغته في نشر معتقد أهل السنة في مسائل الإيمان والكفر ثم ختم بالدعاء للدوسري وأهل العلم .
تقديم
فضيلة الشيخ
سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز آل حميِّد
بدا الشيخ بذكر فتوى اللجنة الدائمة بخصوص كتابي الحلبي وبيان خطأهما , ثم يعقب على الحلبي بانه كان يجب عليه الإذعان للحق وهو يعلم أن الفتوى صدرت من علماء اجلاء اكثر منه علم واكبر سنا فلو أنه تاب ورجع وشكر اللجنة على توجيهها له لكان أولا وقطعا لدابر الفتنة , ثم يعقب فيقول والأكبر من ذلك أنه بادر بالرد على اللجنة والدفاع عن معتقده مردد عبارات: ( هو كلام فلان ، وليس فيه من كلامي أدنى شيء ) ، ( ليس في كتابَّي المذكورين البحث في هذه المسألة مطلقاً ) ومثيلاتها ... إلخ من عباراته المزوَّقة دائماً بعلامات الاستفهام والتعجب التي يملأ بها مؤلفاته .
والمهم من هذا كله: أن من يقرأ ردَّه هذا ، ولم يتبيَّن حقيقة الأمر ، قد يغتّر بأسلوبه في الردّ ، وبراعته في الألفاظ ، وأسلوبه في التمويه ، فيشك في مصداقية اللجنة ، ويتهمها بالتقوُّل عليه ، وظلمه ، وبهتانه ، وهذا الذي يرمي إليه بكتابته هذه ، بحيث أصبحنا نسمع من يعدّ هذه الفتوى صدرت من واحد بعينه من أعضاء اللجنة ، وصدّق عليها الباقون بلا معرفة ولا رويَّة !! دَعْكَ من أعوانه ومن على شاكلته ، فإن الأمر قد تعدّاهم إلى بعض الفضلاء ، وبعض أهل العلم من هذا البلد ! فإذا اهتزّت ثقة الناس بعلمائهم إلى هذا الحدّ ، فبمن تكون الثقة ؟! ولو كان منصفاً لنظر إلى هذه المفسدة على الأقل ، ولم ينتصر لنفسه ، وإن كان يرى أنه على الحق، فمصلحة الجماعة مقدمة على مصلحة الفرد .
ثم بدأ بالثناء على كتاب رفع اللائمة ومؤلفه وبيناكيف كان منهجه في الرد ولابأس بذكر كلامه كاملا :
وهذه الرسالة - ( رفع اللائمة عن فتوى اللجنة الدائمة ) – التي كتبها أخونا الفاضل الشيخ / محمد بن سالم الدوسري – حفظه الله – جاءت لتضع النقاط على الحروف ؛ إشفاقاً على من أحسن الظن برد الأخ علي الحلبي ، ورأى أن اللجنة قد تعدّت عليه ، وكشفاً للتمويه الذي يحسنه الأخ المذكور .
فمن ذلك على سبيل المثال: نقله لعبارات بعض الأئمة التي يفهم منها حصر الكفر في الاعتقاد ، فيسوقها مستدلاً بها ، ويترك كلام هذا الإمام في مواطن كثيرة من كتبه ، وفيه ما يزيل اللبس الذي قد يعلق من الاقتصار على تلك العبارة فقط .
ومن ذلك: تسويده دائماً لكل كلمة أو عبارة يرد فيها ذكر الاعتقاد أو الجحود أو نحوهما من العبارات التي يستدل بها على أن الكفر لا يكون إلا بالجحود والاعتقاد ، ويحاول التمويه على الناس بنسبة ذلك لبعض الأئمة ،فينقل عبارة الإمام التي يتحدث فيها عن أن الكفر يكون بالعمل ، ويكون بالجحود والعناد ، فيكتب العمل بالخط العادي ، ويكتب الجحود والعناد بالخط المسوَّد جداً ، وهذا له أثره على القارئ كما هو معلوم ، ثم بعد ذلك يزعم أنه مجرّد ناقل لكلام الأئمة ، وليس له في هذا النقل أدنى شيء ! فهَلاّ ترك كلام الأئمة – إذ نَقَلَه – على حاله ؟ وهَلاّ نَقَلَ كلامه كله سواء كان له أو عليه ؟ ورحم الله عبدالرحمن بن مهدي حيث يقول: (أهل السنة يكتبون مالهم وما عليهم ، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم)(1) ومخالفة الأخ علي الحلبي لأهل السنة في بعض مسائل الإيمان معروفة عنه منذ قيامه على طبع كتاب مراد شكري "إحكام التقرير لأحكام مسألة التكفير" ، وسعيه في نشره ، وإن اجتهد في تبرئة ساحته منه بعد صدور قرار اللجنة الدائمة بشأنه ، وقد بيَّنْتُ له - بمحضر من الاخوة آنذاك - تحمُّلَه تبعةَ الكتاب وأن عليه أن يعلن بكل وضوح رأيه في تلك المسائل التي تضمنها الكتاب ، وأن يدع عنه التدليس على الناس ، فوعدَ ولم يَفِ .
ولا أريد قطعك - أخي القارئ – عن هذه الرسالة التي دلّت على أن اللجنة الدائمة الموفَّقة ما ذكرت شيئاً في فتواها المذكورة إلا وله وجود في كتابَي الأخ علي الحلبي ، فهمه من فهمه ، وجهله من جهله ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
تقديم
فضيلة الشيخ
عبد الله بن عبد الرحمن آل سعيد
وهذه المقدمة مهمة حيث قد اختصر فيها الشيخ الكتاب كاملا أو موضوع الكتاب فبدأ بذكر المسائل التي اشتمل عليها الكتاب وهي :
1- ان العمل لا بد منه في الإيمان ولا يصح إلا به .
2- أن الكفر لا يختص بالجحود والتكذيب بل يكون أيضا بالقول والعمل فعلا وتركا.
3- أن من الإرجاء عدم التكفير بالعمل .
4- أنه عندما ينقل قول لأحد أهل العلم فلا بد من تحرير مذهبه وذلك باستيفاء نقل القول وتتبع باقي اقواله في المسألة .
ثم جاء على المسائل التي ناقشها الكتاب وكانت الأولى منها أن العمل لا بد منه في الإيمان فقال وقد دال الكتاب والسنة والإجماع على ذلك وقد قسم الأدلة إلى أنواع وهي :
النوع الأول :
ما جاء في الكتاب والسنة من إطلاق الإيمان على العمل مما يدل ذلالة واضحة على أن العمل جزء رئيسي في الإيمان وأنه لا يصح بدونه قال تعالى : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] والمقصود الصلاة .
وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان ... ) والمراد هنا الصلاة .
والآية والحديث تدل على أن العمل لا بد منه في الإيمان .
النوع الثاني :
من الأدلة ما جاء في آيات كثيرة تجمع بين الإيمان وعمل الصالحات وهذا يدل على أن عمل الصالحات لا ينفك عن الإيمان ولا يصح الإيمان بدون ذلك .
النوع الثالث :
من الأدلة ما جاء فيها تقرير أنه لا أخوة في الدين إل بالتوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأنه لا نجاة من عذاب الله تعالى ولا دخول الجنة إلا بالعمل .
قال تعالى : {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5] .
النوع الرابع :
من الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع ما جاء من تكفير من لم يأت بالعمل مطلقا وهو المسمى بجنس العمل .
أما القرآن والسنة فسيأتي الدليل لاحقا وأما الإجماع فقد نقله الشافعي بقوله : ( وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر .
ثم بعد ذلك ذكر فصلا فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه والذي ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم ( فخرج منها – أي النار – قوما لم يعملوا خيرا قط ) وقوله ( هؤلاء عتقاء الله أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ) فعلى هذا لا يكون العمل لا بد منه في الإيمان .
وكان الجواب من أوجه :
1- أنه لا بد من الجمع بين نصوص الكتاب والسنة ولا شك أن بعضها يفسر فعضا والأدلة على أن العمل لا بد منه في الإيمان كثيرة فتكون مخصصة لعموم هذا الحديث.
2- مما يدل على هذا الكلام حديث أبو هريرة وهو مفسر لهذا لحديث أبي سعيد ورد في آخره أن الله يطلب من الملائكة إخراج أهل لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار باثر السجود لان النار لا تأكل أثر السجود .
وغير ذلك من الأدلة الكثيرة التي ذكرها المقدم آل سعيد تدل كلها تدل على تخصيصي حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه .
ثم بعد ذلك تطرق إلى مسألة التفريق بين مذهب أهل الحديث والسنة وبين مذهب الخوارج والمعتزلة وأكبر فرق بين هذه الفرق هو أن اهل السنة يقولون بان الإيمان يزيد وينقص , ولكن المعتزلة والخوارج يقولون هو شيء واحد إذا ذهب بعضه ذهب كله .
بداية كلام الدوسري مؤلف الكتاب
ثم بعد هذه المقدمات قدم المؤلف نفسه لكتابه فبدا بالحمد والثناء لله ثم راح يذكر ما لمسألة الإيمان والتكفير من أثر تفكك وحدة الأمة وبث الفتنة فذكر الخوارج إذ أن غلطهم كان في مسألة الإيمان حيث غلوا في نفيه عن أهل الكبائر حتى كفَّروا أهل الإسلام واستباحوا دمائهم , ثم بعدها أشار إلى المرجئة الذين غلو في إثبات الإيمان للعصاة أهل الكبائر ثم ذكر أقوال أهل العلم في المرجئة وخطرهم على الأمة مثل قول الزهري : ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء. ثم ذكر أن الإرجاء أستمر على مر العصور حتى في يومنا الحاضر هناك من يدافع عنه ومن أولئك الذين حملوا هذه الراية ، وتعصب لها ، علي بن حسن الحلبي .
ثم نوه إلى أنه لم يكن يحب الرد عليه ولكن وحتى لا يغتر مغتر بهذا الرجل وما يكتب ، وحتى لا ينخدع المسلمون به ، رأيت أن من الواجب عليّ - إبراءً للذمة ونصحاً للأمة – بيان حال الحلبي في هذه المسألة - التي هي من أخطر قضايا العقيدة ، فأزمعت الرد على ما كتبه - هو – رداً على فتوى اللجنة الدائمة ليس والله تعصباً للجنة فلست - ولله الحمد – ممن يتعصب للرجال دون الحق ، ولا دفاعا عنها بالباطل ، فهم بشر معرضون للخطأ ولكن لأمور ، منها :
     1 - أنّ ذلك من آخر ما كتبه الحلبي في هذه المسألة .
     2 - حتى يتبين للقارئ الكريم حال الحلبي في بتر النصوص وتحريف المراد منها ، وعناده وإصراره على الباطل ، وروغانه عن الحق ، فهذا كله يتضح جلياً في ردِّه المذكور .
     3 - أن تتبع جميع ما ألفه في هذه المسألة يطول جداًّ والمشاغل كثيرة والعمر قصير ، وطالب الحق يكفيه بيان الحق ، وأما صاحب الهوى فلا حيلة فيه - نسأل الله السلامة - .
     4 - أن هذا الرد - بذاته – قد أوجد عند بعض الفضلاء نوعاً من الشك والريب في صحة فتوى اللجنة وأنها قد تحاملت على الحلبي وحمَّلت كلامه ما لا يحتمل .
ثم بدأ بعد ذلك بتقعيد قواعد للرد وسماها  ( منارات قبل البدء ) ذكر فيها :
1 - أن الحلبي ليسَ من أهل التحقيق في هذه المسألة .
2 - قعَّد الحلبي في نفسه قواعد باطلة في الإيمان واعتقدها ثم مضى يستدل لها بلا رويَّة ولا تحقيق في الاستدلال ، وقد يأتي بالدليل الذي يخالف قوله ، وهو لا يشعر ، وربما يلوي أعناق النصوص لما يريد .
3 - أن من تلبيس الحلبي أنه يسوق كلاماً لأحد الأئمة يحتمل أكثر من معنى ثم يقول:( وهذا الذي نعتقده وندين الله به ) ولا ندري نحن أي المعاني يريد .
4- بتره لنصوص العلماء التي يستدل بها .
5- كثير التجريح بإخوانه من طلاب العلم ممن يخالفه في هذه المسألة .
6 – ينقل أقول مبتورة عن أهل السنة تبين أن منهجهم هو الإرجاء  حاشاهم .
هذه أهم النقاط ثم ختم كلامه بقول شيخ الإسلام:( كثير من المتأخرين لا يميزون بين مذاهب السلف وأقوال المرجئة والجهمية: لاختلاط هذا بهذا في كلام كثير منهم ممن هو في باطنه يرى رأي الجهمية والمرجئة في الإيمان ، وهو معظم للسلف وأهل الحديث ، فيظن أنه يجمع بينهما ، أو يجمع بين كلام أمثاله وكلام السلف ).(1) ا هـ
     وقال أيضاً – رحمه الله – : ( … لكن هؤلاء ظنوا أن الذين استثنوا في الإيمان من السلف كان هذا مأخذهم ، لأن هؤلاء وأمثالهم لم يكونوا خبيرين بكلام السلف ، بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقوه عن المتكلمين من الجهمية ونحوهم من أهل البدع فيبقى الظاهر قول السلف والباطن قول الجهمية الذين هم أفسد الناس مقالة في الإيمان )
ثم بعد ذلك بدأ بذكر أقوال الحلبي والرد عليها وسأقتصر في تلخيصي على بعض الأقوال حرصا على عدم الإطالة :
الشبهة :
فإن الحلبي في الكتابين المذكورين لا يرى الأعمال الظاهرة من لوازم إيمان القلب ؛ بل يراها من كمال الإيمان.
حيث قال في: "صيحة نذير" ص27 ناقلاً عن شيخ الإسلام قوله: (والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر ) ثم علق الحلبي في الحاشية على قول شيخ الإسلام: ( ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام ) بقوله ( أي الحلبي ): ومن تأمل هذا القيد حلت له إشكالات كثيرة: ويعني بالقيد قوله: ( تام ) ويكون المعنى عند الحلبي أنه يمكن أن يكون في القلب إيمان بدون العمل الظاهر ولكنه إيمان ناقص ، أما من أراد الإيمان التام فلابد من العمل الظاهر.
الرد :
وهذا غير مراد لشيخ الإسلام – رحمه الله – فهو يعني بقوله :( إيمان تام ) أي إيمان صحيح ، وهو الذي يتوافق مع مجموع أقواله منها :( وأن إيمان القلب بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع ).
ويتوافق أيضاً مع قوله – رحمه الله -: ( وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيماناً جازماً امتنع ألا يتكلم بالشهادتين مع القدرة ، فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم انتفاء الإيمان القلبي التام )(1). ا هـ . فما رأي الحلبي في هذا ؟ من امتنع أن يتكلم بالشهادتين مع القدرة ، أيقال: انتفى عنه كمال الإيمان وبقي معه أصله ؟ فإن قال: نعم ، فقد قال قولاً عظيماً . وإن قال: لا ، فقد أقر على نفسه بالغلط في فهم كلام شيخ الإسلام .
وشيء آخر ، وهو أن يقال: ما رأي الحلبي في قول شيخ الإسلام(2): (فإنه يمتنع أن يكون إيمان تام في القلب بلا قول ولا عمل ظاهر) فهل هذا يعني أنه يمكن أن يكون الإيمان في القلب بلا قول ظاهر ( أي بدون الشهادتين ) والذي يمتنع إنما هو تمام الإيمان؟ أم ماذا ؟
الشبهة :
وذكر – أي الحلبي – أيضا في ص28 من "صيحة نذير" قول شيخ الإسلام – عن الإيمان -: ( وأصله القلب وكماله العمل الظاهر ... ) وهو يظن أن شيخ الإسلام يعني بالكمال: الكمال الواجب والمستحب .
الرد :
وهذا غلط منه في فهم كلام ابن تيمية – رحمه الله – فإن سياق الكلام يدل على أن أصل الإيمان الذي في القلب لا يتم ( أي لايصح ) إلا بالعمل الظاهر حيث قال – رحمه الله – بعدها: (... بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر وكماله القلب ) فهل يقول قائل: أنه يكفي في الإسلام أصله الظاهر دون كماله الذي في القلب ؟
فعلى هذا الوجه يُفهم كلام الأئمة بضم بعضه إلى بعض حتى يفسر بعضه بعضاً لا أن يأخذ الناقل ما يوافق هواه ويدع ما يخالفه.
الشبهة :
نقل الحلبي عن الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله – قوله: ( إن الكفر نوعان: كفر عمل ، وكفر جحود وعناد ، وهو – أي: كفر الجحود – أن يكفر بما علم أن رسول الله r جاء به من عند الله – جحوداً وعناداً – من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه التي أصلها توحيده ، وعبادته وحده لا شريك له ) التحذير ص6 ، 7 , وقد سوّد الحلبي الخط وضخمه عند ذكر الجحود والعناد(1) مدللاً على أن الكفر لا يكون إلا كذلك ، والذي دلنا على هذا أنه نقل في الحاشية عن ثلاثة من العلماء هم – ابن حزم ، وابن القيم ، والذهبي ، أنهم يرون – بزعمه – أن الكفر هو الجحود.
الرد :
هناك فرق بين كون الجحود كفراً وبين كون الكفر هو الجحود.
فالأول: جعل الجحود نوعاً من أنوع الكفر ، وهذا حق.
والثاني: حصر الكفر في الجحود ، وهذا باطل.
الشبهة :
نقل الحلبي عن العلامة الشيخ حافظ الحكمي قوله في "أعلام السنة المنشورة": ( الكفر أصله الجحود والعناد المستلزم للاستكبار والعصيان ) ، ظاناً أنه يوافقه على أن الكفر هو الجحود فحسب .
الرد :
هذا الظن غير صحيح لأن الشيخ حافظاً – رحمه الله – ساق بعد هذا الجواب أجوبة كثيرة توافق معتقد أهل السنة ، وليت الحلبي قرأها وأظنه فعل – لأنه لا يتصور أن يستل هذا الجواب دون أن يقرأ ما قبله وما بعده .
الشبهة :
ثم أكد ذلك أيضاً بما نقله – مبتوراً – من كلام الشيخ عبدالرحمن السعدي في كتابه: "الإرشاد إلى معرفة الأحكام" ( ص 203 ) ( وحد الكفر الجامع                    لجميع أجناسه وأنواعه وأفراده هو جحد ما جاء به الرسول r أو جحد                بعضه ) التحذير ص 11.
الرد :
وقد بتر الحلبي هذا النص – كعادته – ليوافق ما قرره وهو أن الكفر لا يكون إلا بالجحود ، وإلا فلماذا حذف أول الكلام وهو قوله: ( المرتد هو الذي كفر بعد إسلامه بقول أو فعل أو اعتقاد أو شك ) ؟.

الشبهة :
ثم ذكر الحلبي تعليقاً على الكلام الذي سبق بقوله: (…فإن من ثبت له حكم الإسلام بالإيمان الجازم إنما يخرج عنه بالجحود له أو التكذيب به أما إذا كان شاكاً أو معانداً أو معرضاً أو منافقاً فإنه –  أصلاً  - ليس بمؤمن) ا هـ. التحذير ص 11 حاشية تعليق رقم ( 1 ) .
الرد :
لو لم يكن في كتاب  الحلبي إلا هذه لكانت كافية في بيان عقيدته في هذه المسألة ، وأنه يحصر الكفر في الجحود والتكذيب فحسب .
ثم أي فرق بين هذا التعليق وبين قول صاحب كتاب "إحكام التقرير" –الذي أشرف الحلبي على طبعه – في ص13 : ( لا يكفر المسلم إلا إذا كذَّب النبي فيما جاء به وأخبر سواء كان التكذيب جحوداً كجحود إبليس وفرعون أم تكذيباً بمعنى التكذيب ) وهو يزعم – أي الحلبي – أنه بريء مما بحثه صاحب كتاب " إحكام التقرير " وظهر لـه قلِّه وجلِّه ، فأين البراءة ؟ وهو يعيد ما قرره ويكرر ما أكده .
على أن قول الحلبي في البراءة غير صريح لقوله: ( موافق ما عليه علماء الإسلام والأئمة الأعلام ) فمن المقصود بهؤلاء ؟ أهم الذين نقل عنهم في إحكام التقرير الفخر الرازي والغزالي ؟ . . أم علماء أهل السنة ؟ فالكلام مجمل يحتاج إلى بيان .
الشبهة :
قال الحلبي في ص5 من أجوبته ( فإن قيل العمل كله فهذا مذهب الخوارج والمعتزلة – كما هو معلوم –) انتهى كلام الحلبي .
الرد :
مذهب الخوارج والمعتزلة هو أنهم يرون آحاد العمل شرطاً في صحة الإيمان ، أما أهل السنة والجماعة فإنهم يرون أن جنس العمل من لوازم إيمان القلب كما سبق نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – وفرق عظيم بين هذين المذهبين .
الشبهة :
نقل الحلبي كلام ابن القيم ونصه: ( ... فمن جحد شيئاً جاء به الرسول r بعد معرفته بأنه جاء به فهو كافر في دق الدين وجِّله ) .
الرد :
إن الإمام ابن القيم معروف بسلفيته ونصرته لمذهب أهل السنة فإذا أجمل في موضع فقد بين في مواضع أخرى تفصيل هذا الإجمال.
والنص السابق ليس فيه حصر الكفر في الجحود كما ظن المؤلف ؛ بل جعل الجحود سبباً من أسباب الكفر ولا يمنع أن يكون غيره كذلك.
الشبهة :
أما قوله ص13: ( وأزيد – هنا – موضحاً أكثر وأكثر ... إلى أن قال: ( فقد يطرأ على (بعض) المسلمين شك أو عناد ، أو.. ، أو.. إلى أخر ما قد يخرجون به من ملة الإسلام ...) .
الرد :
أقول: إن الحلبي لا يريد أن يعترف بخطئه وأن اللجنة أصابت في انتقادها إياه فيموه بالكلام ، فاللجنة الدائمة حينما انتقدت فإنها انتقدت كتابين هما: "التحذير من فتنة التكفير" و"صيحة نذير بخطر التكفير" ولم تنتقد رسالة الأجوبة المتلائمة فكونه يصحح خطأه في هذا الرد أو يزيد فيه شيئاً فهذا لايعني أن اللجنة أخطأت في انتقادها إياه ،فالمنصف يقول:( نعم أخطأتُ في هذا الوجه والصواب هو كذا وكذا .. ثم يكتب ما يريد تصحيحه) أما أن يكابر ويراوغ ويحيد فليست هذه طريقة طالب الحق إنما هي طريقة أهل الأهواء . نسأل الله العافية .
الشبهة :
قال الحلبي في ص14 من أجوبته: ( ثم من باب آخر – هل يتهم العلامة السلفي ابن سعدي - رحمه الله-بموافقة الإرجاء أو بموافقة المرجئة ؟ أم ماذا ؟
الرد :
هذا هو الإرهاب الذي استخدمته قريش مع النبي r حينما قالت لـه: أأنت خير أم أبوك عبدالله ؟ أأنت خير أم جدك عبدالمطلب ؟ لازال يستخدم لإلزام المخالفين بما ليس لهم بلازم .
وأُعيد وأُكرر أن العيب ليس في الكلام وإنما العيب في النقل والفهم فالحلبي ينقل نقولات مبتورة عليلة ويقول هذا قول فلان وهذه عقيدة فلان وإلا فقد مر معنا أنه بتر كلام السعدي- رحمه الله – وأخذ منه ما يوافقه وترك ما يخالفه.
وكل كلام محكم إذا بتر تغير معناه ؛ بل قد يكون المعنى ضد المراد به ألا ترى إلى قـول الله عز وجل                          [ الماعون: ٤ – ٥ ] ولو اقتصر القارئ على   كيف يكون المعنى ؟ .
الشبهة :
قال الحلبي في ص16 من أجوبته المتلائمة: ( أما الموضع الآخر – الذي عزت إليه اللجنة المبجلة ، وهو (ص22) من "التحذير" فليس هو سوى نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (20 / 91 ) وهو قوله رحمه الله ثم ساق كلام شيخ الإسلام الذي نصه ( قد تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة ما دل عليه الكتاب والسنة: أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب ، ولا يخرجون من الإسلام بعمل إذا كان فعلاً منهياً عنه ، مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر ما لم يتضمن ترك الإيمان.
     وأما إن تضمن ترك ما أمر الله بالإيمان به ، مثل: الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والبعث بعد الموت: فإنه يكفر به .
وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة ، وعدم تحريم المحرمات الظاهرة المتواترة ) انتهى كلام شيخ الإسلام - رحمه الله -.
ثم قال الحلبي بعدها: ( قلت: فالأمر كله – في دائرة الكفر – مبني على نقض الإيمان ،وعدم الاعتقاد ).
( إذ الأحكام في الدنيا والآخرة مرتبة على ما كسبه القلب ، وعقد عليه).
إلى أن قال: أي الحلبي: ( ثم ما معنى كلمة نقض الإيمان هنا ؟ وعلى ماذا تدل ؟ أليس تحتها صور متعددة وأقسام متنوعة ؟ أم ماذا  ؟ )
الرد :
أ – يالله ! ما أسرع ما يروغ الحلبي عندما تضيق عليه السبل لذلك تجده غالباً يأتي بالمحتملات والمجملات حتى إذا كُشف أمره أخذ يروغ فيقول: أنا لم أقصد كذا وإنما أريد كذا ، كما في مسألتنا هذه.
فيا أهل الإيمان إن ما قبل هذا الكلام وما بعده ليدل دلالة واضحة على أن الحلبي يريد بهذا النقل التدليل على أن الكفر محصور في الاعتقاد وإليكم البيان.
أولاً: أنه سوَّد الكلمات التالية باللون الأسود العريض إمعاناً في النص وتنبيهاً عليها ، وهي قوله: ( ولا يخرجون عن الإسلام بعمل ) وقوله: (مالم يتضمن ترك الإيمان ) وقوله: ( وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة ، وعدم تحريم المحرمات الظاهرة المتواترة ) وقوله:( إذ الأحكام في الدنيا و الآخرة مرتبة على ما كسبه القلب وعقد عليه ).
ثانياً: أنه قال بعد كلام شيخ الإسلام السابق: ( وعلى هذا في مسألتنا أئمة التفسير وعلماؤه على مر العصور ) ثم ساق جملة من أقوالهم فيها التنصيص على الجحود وحصر الكفر فيه في مسألة الحاكمية وقد سود الكلمات التي فيها ذكر الجحود وضخمها.
فاسم الإشارة في قوله ( وعلى هذا ) عائد على كلام شيخ الإسلام فيكون المعنى :
إن كلام أئمة التفسير وعلمائه هو نفسه كلام شيخ الإسلام وحيث إن كلام أئمة التفسير الذي ساقه واضح في حصر الكفر في الجحود في مسألة الحاكمية فإن كلام شيخ الإسلام أيضاً كذلك فيه حصر الكفر في الجحود كما يزعم الحلبي بغض النظر عن المسألة التي يتكلم فيها أئمة التفسير ، وهذا واضح لمن تأمله.
ب – إن كلام شيخ الإسلام إنما هو في الذنوب دون الشرك والكفر وهذا واضح جداً لمن تأمله ، حيث قال رحمه الله: ( ولا يخرجون من الإسلام بعمل ) ثُم مثّل بالزنا والسرقة وشرب الخمر ، فهذا الذي يقول عنه أهل السنة لا نكفِّر أحداً بذنب مالم يستحله كذلك لا نخرج من الإسلام أحداً بعمل يعمله دون الكفر أو الشرك ، كالزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها ، مالم يستحل ذلك العمل المحرم .
وقد قال – رحمه الله - : ( ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لايكفر بالذنب فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب )(1).
ج – ثم إن القارئ ليس بهذه السذاجة التي يتصورها الحلبي لأن ظاهر الكلام في قوله: ( فالأمر كله – في دائرة الكفر- مبني على نقض الإيمان وعدم الاعتقاد ، إذ الأحكام في الدنيا والآخرة مرتبة على ما كسبه القلب وعقد عليه ).
يشعر بالحصر وإلا فما معنى جمع الأمر كله في دائرة ثم بنائه على شيء – بغض النظر عن هذا الشيء المبني عليه – خاصة أن في آخر الكلام ما يشعر بهذا من قوله: ( إذ الأحكام في الدنيا والآخرة مرتبة على ما كسبه القلب وعقد عليه ).
الشبهة :
قال الحلبي في ص18-19 من أجوبته: ( ما ذكرته اللجنة من أن الحكم المبدّل    لا يكون كفراً عند شيخ الإسلام إلا إذا كان عن معرفة واعتقاد واستحلال ناسبينه    إلى "التحذير" ص17-18 وبالتالي فهو – على هذا – كما ذكروا:( مذهب المرجئة ) !! فــأقـول ( القائل الحلبـي ): نص مــا نقلتــه عــن شيخ الإسلام ابن تيميـة بحروفــه
كالتالي: ( ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل على رسوله فهو كافر ، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر ... ) ثم قال بعد كلام: ( ... فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون ؛ فهؤلاء  إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك ، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار ، وإلا كانوا جهّالا ً.. ) ثم علقت عليه بقولي: وكلامه – رحمه الله – بين واضح في أنه بنى الحكم على المعرفة والاعتقاد أو المعرفة والاستحلال وأن عدم وجود ذلك بشرطيه لا يلزم منه الكفر ، وإنما يكون فاعله جاهلاً لا كافراً ...
فلما رأى ( البعض ) ذلك كمثل ( المفكر الحركي ) محمد قطب في "واقعنا المعاصر" ص133 وبعض تلاميذه !! حذفوا من النقل ما يبينه ويوضحه !! وهو قوله – رحمه الله – في آخره ( وإلا كانوا جهّالاً كمن تقدم أمرهم ) فماذا نقول ؟ وانظر للمزيد " صيحة نذير..." (ص95-109) ..
قلت ( القائل الحلبي ): هذا كلامي ، وهذا تعليقي ، فأيـن التقول ، و التقْويل ؟ بل أين مذهب المرجئة ؟ وأين قولهم ؟ انتهى كلام الحلبي .
الرد :
الذي فهمه الحلبي من كلام شيخ الإسلام – الذي ذكره – فهم خاطئ وتقويل لشيخ الإسلام مالم يقله ولم يرده. وبيان ذلك ما يلي:
أولاً: ليعلم أن شيخ الإسلام – رحمه الله – يطلق الاستحلال ويعني به:
تارة اعتقاد حل المحرم وتارة يعني به عدم التزام التحريم ، وإن كان يعتقد التحريم حيث قال – رحمه الله – في "الصارم المسلول" ص522 ( وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق ، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ، وكذلك لو استحلها من غير فعل ، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها ، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها ، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية ولخلل في الإيمان بالرسالة ، ويكون جحداً محضاً غير مبني على مقدمة ، وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المُحَّرِّم ، فهذا أشد كفراً ممن قبله ، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذَّبه. ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته ، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس ، وحقيقته كفر ؛ ... إلى أن قال – رحمه الله – فهذا ( أي الامتناع عن التزام التحريم ) نوع غير النوع الأول ( أي : اعتقاد حل المحرم ) وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع ؛ بل عقوبته أشد ) انتهى كلامه رحمه الله.
فقوله – رحمه الله – ( وتارة يعلم أن الله حرمها ، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرم الله ، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ، ويعاند المحرم ، فهذا أشد كفراً ممن قبله .. الخ كلامه – رحمه الله – يدل دلالة قاطعة على أن هذا – اعني الامتناع عن التزام التحريم – من معاني الاستحلال عند شيخ الإسلام.
فجَعْلُ الاستحلال في كلام شيخ الإسلام منصرفاً بإطلاق إلى اعتقاد حل الحرام تحكم بلا دليل ويعرف مقصود شيخ الإسلام بالاستحلال من سياق الكلام.
فإذا عرفت هذا زال عنك أشكال كبير في فهم كلام شيخ الإسلام -  رحمه الله – في هذا الموضع وفي غيره إن شاء الله.
ثانياً: أن اعتقاد حل المحرم ينافي التصديق الذي هو قول القلب وأما الامتناع عن الالتزام فينافي القبول والانقياد الذي هو عمل القلب.
ثالثاً: أنك إذا نزلت كلام شيخ الإسلام السابق – في معاني الاستحلال – على كلامه الذي ذكره الحلبي تبين لك أنه قد غلط في فهم كلام شيخ الإسلام، ذلك أن كلامه – رحمه الله – ليس عن صورة واحدة من صور الحكم بغير ما أنزل الله وموقف الناس تجاه الحكم بما أنزل الله ، وإليك البيان:
1 – قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: ( من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر ) يفهم من هذا أن من اعتقد أن الحكم بما أنزل الله على رسوله غير واجب فهو كافر وإن لم يحكم بغير ما أنزل الله ؛ بل حتى ولو حكم بما أنزل الله .
ووجه كفره أنه غير مصدق للنصوص الدالة على وجوب الحكم بما أنزل الله وإذا انتفى التصديق انتفى الإيمان.
مثال ذلك: حاكم يحكم بما أنزل الله ولكنه يرى أن الحكم بما أنزل الله غير واجب فهذا كافر بالإجماع فهذه صوره غير الصورة التي بعدها وهي:
2- قوله- رحمه الله – ( فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون فهؤلاء إذا عرفوا أنه لايجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك ؛ بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم  كفار وإلا كانوا جهّالاً ) ا هـ.
فهؤلاء الذين أسلموا ويحكمون بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون لهم حالان:
الحال الأولى: أن يعرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلا يلتزمون بذلك فهؤلاء كفار وليسوا بجهّال.
الثانية: ألاّ يعرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ؛ بل بقوا على الحكم بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون فهؤلاء جهّال ولا يكفرون حتى يعرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله ثم لا يلتزمون هذا هو معنى كلام شيخ الإسلام.
وقوله: ( بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار ).
فالاستحلال هنا معناه: الامتناع عن الالتزام لقوله – رحمه الله – قبلها: ( فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك ( أي امتنعوا عن التزام الحكم بما أنزل الله وبقوا على الحكم بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون ) والامتناع عن الالتزام ينافي عمل القلب الذي هو قبوله وانقياده وهذا وجه كفرهم ، بخلاف الصورة التي قبلها ولكن لما كان الحلبي لا يرى الكفر إلا بالجحود و التكذيب ( لا بزوال عمل القلب ) ظن الباب في الأمرين واحداً فغلط في فهم كلام شيخ الإسلام. والله أعلم.
الشبهة :
قال الحلبي في ص21: ( وقد نقلت في التحذير ( ص11-12) – نفسه – عن الإمام ابن القيم وصفه مسألة الحكم بغير ما أنزل الله: أنها (من الكفر العملي قطعاً) فكيف يكون كفر المتلبس بها حقيقة ؟ ) ا هـ .
الرد :
أولاً: إن الحلبي لا يرى الكفر العملي  إلا كفراً أصغر ولا يكون كفراً أكبر وهذا واضح من كلامه ، لأن ابن القيم حينما جعل الحكم بغير ما أنزل الله كفراً عملياً – والكفر العملي عند الحلبي لا يخرج من الملة – جعله ذلك يستفهم كيف يكون كفر المتلبس بها حقيقة ؟
وفي هذا دليل واضح على أن الحلبي لا يرى شيئاً من الأعمال يكون به المرء كافراً إلا ما كان مستلزماً للتكذيب والجحود.
ثانياً: إن الحلبي قد غلط في فهم كلام ابن القيم رحمه الله ؛ بل بتره فأخذ منه ما يوافق هواه ومذهبه وترك ما يخالفه.
الشبهة :
قال الحلبي ص25 من أجوبته: ( سادساً: دعوى اللجنة الموقرة أني حرفت مراد سماحة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – في رسالته "تحكيم القوانين" مشيرين – سددهم الله – إلى أنى زعمت أن الشيخ يشترط الاستحلال القلبي )!!
فأقول ( القائل الحلبي ): لقد تكلمت في "التحذير" (ص25-28)
على رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – ونقلت عنه – منها - عدة نقول ، وعلقت عليها عدة تعليقات ، وليس في أي منها – مطلقاً كلمة ( الاستحلال القلبي )!!
الرد :
الدليل على صحة ما ذكرته اللجنة ما يلي:
1 – أن الحلبي – هداه الله – ذكر طرفاً من رسالة الشيخ محمد بن إبراهيم "تحكيم القوانين" وهو قوله - رحمه الله – وما جاء عن ابن عباس في تفسير هذه الآية:  قال تعلى :...                        المائدة: ٤٤) من رواية طاووس وغيره يدل  على أن الحاكم بغير ما أنـزل الله كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة ، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة ).
الشبهة :
ثم أخذ يدلل بما نقله عن الشيخ محمد بن إبراهيم في مواضع متفرقة أنه - رحمه الله – يشترط الاعتقاد لكفر الحاكم بغير ما أنزل الله ( أي أن الحاكم لا يكفر حتى يعتقد حلها وجواز الحكم بها )(2)
فالذي يقرأ كلام الحلبي يظن أن الشيخ ابن إبراهيم في رسالته "تحكيم القوانين" يشترط لكفر الحاكم بالقوانين أن يعتقد صحة تلك القوانين وجواز الحكم بها. أما إن حكم بها دون اعتقاد ذلك فإنه لا يكفر.
الرد :
والحلبي – هداه الله – قد بتر الكلام ولم يكمل النقل – لأن فيه التفصيل الذي سيأتي بيانه – موهماً بأن هذا هو مراد الشيخ من قوله في رسالته "تحكيم القوانين" ( إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة ).
وإليك كلام الشيخ محمد بن إبراهيم كاملاً غير مبتور:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله- :( ...وما جاء عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسيره هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدل على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة ، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملّة :-
أما الأول وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع :
أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله...إلخ.
الثاني: أن لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقاً ، لكن اعتقد أن حكم غير الرسول r أحسن وأتم وأشمل...إلخ .
الثالث : أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله لكن اعتقد أنه مثله.. الخ .
الرابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله فضلاً عن أن يعتقد كونه أحسن منه لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله ... الخ .
الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ورسوله ومضاهاة للمحاكم الشرعية ، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ، ومراجع ومستندات ، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات ( مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله r ) فلهذه المحاكم مراجع "القانون الملفق من شرائع شتى ، وقوانين كثيرة ، كالقانون الفرنسي ، والقانون الأمريكي ، والقانون البريطاني ، وغيرها من القوانين ، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك" .
فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة ، مفتوحة الأبواب ، والناس إليها أسراب إثر أسراب ، يحكم حكامها بينهم بما يخالف السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون ، وتلزمهم به ، وتقرهم عليه ،  وتحتمه عليهم. فأيّ كفر فوق هذا الكفر ، وأيّ مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة ...
إلى أن قال _ رحمه الله _: ( وخضوع الناس ورضوخهم لحكم ربهم خضوع لحكم من خلقهم تعالى ليعبدوه ، فكما لا يسجد الخلق إلا لله ، ولا يعبدون إلا إياه ولا يعبدون المخلوق ، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم الحميد ، الرءوف الرحيم ، دون حكم المخلوق الظلوم الجهول ، الذي أهلكته الشكوك والشهوات والشبهات ، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات.
فيجب على العقلاء أن يربئوا بأنفسهم عنه ، لما فيه من الاستعباد لهم ، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض ، والأغلاط والأخطاء ، فضلاً عن كونه كفراً بنص قوله سبحانه وتعالى : ...                            [ المائدة : ٤٤].
السادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايـات آبائهـم وأجدادهـم وعاداتهـم التي يسمونهـا ( سلومهم ) يتوارثون ذلك  منهم ، ويحكمون به ويحضون على التحاكم إليه عند النزاع بقاء على أحكام الجاهلية ، وإعراضاً ورغبة عن حكم الله ورسوله فلا حول ولا قوة إلا بالله .
وأما القسم الثاني:
من قسمي كفر الحاكم بغير ما أنزل الله ، وهو الذي لا يخرج عن الملة :
فقد تقدم تفسير ابن عباس – رضي الله عنهما _ لقول الله عز وجل:...                       المائدة: ٤٤)  قد شمل ذلك القسم وذلك في قوله t في الآية: ( كفر دون كفر ) وقوله أيضاً: (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ).
وذلك أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية ، بغير ما أنزل الله ، مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق ، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى. وهذا إن لم يخرجه كفره عن الملة فإن معصيته عظمى أكبر من الكبائر ، كالزنا ، وشرب الخمر ، والسرقة ، واليمين الغموس ، وغيرها فإن معصية سماها الله في كتابه كفراً ، أعظم من معصية لم يسمها كفراً ) ا هـ .
فالشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – مما سبق نقله يجعل الحكم                بالقوانين ( الفرنسي ، الأمريكي ، البريطاني ، وغيرها ) مـن أعــظم أنــواع الـكفر الاعتقادي(1) الناقـل عـن الملـة وأشملهـا وأظهرهـا معـاندة للشرع ومكـابرة لأحكـامه
ومشاقة لله ورسوله ... , ويجعل الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة هو ما كان حكمــاً في
قضية معينة– دون تقنين(2)  – مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى.
فأين هذا مما ذهب إليه الحلبي ؟ وهل هذا إلا تحريف لمراد الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله رحمة واسعة – ؟
وإن مما ينبغي التنبيه إليه أن الحلبي – هداه الله – أعرض عن الكلام المحكم الواضح من كلام الشيخ محمد بن إبراهيم وذهب إلى كلمة من هنا وهناك وهذا من أعجب الأمور ، إذ كيف يترك رسالة ألفت في هذا الموضوع جاء فيها التأصيل والتقعيد والتفصيل ثم يذهب إلى عبارة هنا وهناك جاءت ضمناً في رسالة أو رد لـه ظروفه وملابساته ؛ بل يجعلها ناسخة للحكم الواضح الجلي ؟ !!!
الشبهة :
قال الحلبي في ص23 من أجوبته: ( وهاهنا – أخيراً تنبيه مهم جداً – وهو أن بعض هؤلاء المخالفين من المكفرين يتكئون على أمثال ( تلك ) الفتاوى (!) ليصدروا من خلالها أحكاماً عاطفية ( شبابية ) جزافية (!) على بعض الدول الإسلامية ) ...
الرد :
أولاً: إن هذا من التهويش والتهويل والاستعداء الظالم الذي هو على حساب التوحيد والحلبي يستخدمه مع مخالفيه ليلزمهم ما ليس بلازم لهم وهي شنشنة نعرفها من أخزم ، والله الموعد وهو الحسيب سبحانه.
ثانياً: ليس هناك تلازم بين كفر الحاكم بغير ما أنزل الله وبين الخروج عليه فليس كل حاكم كفر جاز الخروج عليه فهناك شروط لابد من توافرها كالقدرة والاستطاعة على الخروج عليه وكذلك عدم ترتب مفسدة أعظم من المفسدة الحاصلة الآن.
ثالثاً: أن أخطاء بعض الشباب في تصرفاتهم – إن وجدت – ليست مانعاً من بيان حكم الله في المسألة ، فهذا لا يقوله من شم رائحة العلم.
رابعاً: أن القوم لا يرون مسألة تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله إلا مجرد
الدماء والأشلاء والتفجيرات والفتن ومشابهة الخوارج ونسوا أو تناسوا أن القضية متعلقة بإفراد الله عز وجل بالحكم وما هو موقفهم تجاهه ، وما مدى إيمانهم به ؟ وما حكم من نازع الله عز وجل فيه ؟ وهل يجوز أو يسوغ أن يشارك الله في حكمه أحد من خلقه ؟ فإن قالوا نعم فقد خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم.
وإن قالوا لا ، قلنا لهم: فما هذا الذي يحصل من بعض حكام زماننا؟ وأي شيء يسمى؟ ( إذا كان الله عز وجل يحكم بأن الزنا حرام وهم – أي أولئك الحكام – يسنون ويقننون قانوناً يخالف بل يعارض هذا الحكم وهو أن الزنا إذا كان برضا الطرفين ممن بلغوا سن الرشد القانوني فلا شيء فيه ولا على فاعليه ؛ بل إنه لا يُعد الوطء المحرم ابتداء من قبيل الزنا إلا إذا صدر من محصن وعلى فراش الزوجية ، ويرى أن تحريك الدعوى في هذه الحالة حق للزوج وحده ويجيز أن يتدخل لإيقاف(1)  الدعوى في أية مرحلة من مراحل التقاضي كانت ؛ بل لـه أن يتدخل لإيقاف العقوبة حتى بعد صدور الحكم النهائي )(2)
فالحكم هنا لمن ... لله أم لهؤلاء الحكام ؟ فأي منازعة أعظم من هذه؟ , وأي فرق بين فعلهم وفعل اليهود الذين أنزل الله فيهم:             ﮆﮇ                                      ﮘﮙ                   ﮢﮣ                     المائدة: ٤٤ .
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه ، كتاب الحدود ، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى رقم (1700) عن البراء بن عازب قال: ( مُرَّ على النبي بيهودي محمماً مجلوداً ، فدعاهم فقال: ( هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ) قالوا: نعم ، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: ( أنشدك بالله بالذي أنزل التوراة على موسى ، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ ) قال: لا ، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجده الرجم ، ولكنه كثر في  أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم ، فقال رسول الله r : ( اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ).فأمر به فرجم فأنزل الله عز وجل:                                  ﮣﮤ       ﮧﮨ                ﮯﮰ          ﯖﯗ                     ﯠﯡ                     ﯫﯬ                  ﯴﯵ          ﯹﯺ          ﯿ     المائدة: ٤١ .
فهؤلاء اليهود لما اصطلحوا على عقوبة معينة في حد الزاني غير ما شرعه الله عز وجل وجعلوا تلك العقوبة قانوناً يتحاكم إليه الجميع (الشريف والوضيع ) بدلاً عن حُكْمِ الله حَكَمَ الله عليهم بالكفر وجعل فعلهم هذا حكماً بغير ما أنزل الله.
الشبهة :
قال الحلبي: في ص27 من أجوبته :( سابعاً: دعوى اللجنة المبجلة أني علقت ( على كلام من ذكر من أهل العلم بتحميل كلامهم مالا يحتمله )!
فأقول: أما الموضع الأول ص (108) فليس فيه في - المتن – إلا كلام فضيلة أستاذنا الشيخ ابن عثيمين – عافاه الله – بنصه في أحوال الحاكم بغير ما أنزل الله وليس لي فيه أي لفظة !!!
وأما الحاشية فهي نقل عنه – أيضا – بالنص من ( فتاويه ) في المسألة نفسها – وليس في هذا الموضوع أي كلمة من إنشائي – مطلقاً !!! فما العمل وما المصير ؟ ا هـ.
الرد :
أولاً: قول الحلبي ( ليس في الحاشية أي كلمة من إنشائي ) غير صحيح، فقد قال – منشئاً – ( وقال فضيلته – حفظه الله – في "مجموع الفتاوى" (2/145) ، مبيناً – بكلام علمي عالٍِ – ضوابط تكفير من هذا حاله: ( ... بحيث يكون عالماً بحكم الله ، ولكنه يرى أن الحكم المخالف له أولى ، وأنفع للعباد من حكم الله ، أو أنه مساوٍ لحكم الله ، أو أن العدول عن حكم الله إليه جائز ) فكيف يقول الحلبي ليس فيه أي كلمه من إنشائي ؟
ثانياً: لا أدري لماذا يلبس الحلبي على الناس ويكثر من قوله ليس فيه أي كلمه من لفظي أو لفظه من كلامي أو كلمه من إنشائي ؟
فهذا الكلام ( كلام العلماء )  الذي يسوقه تحت عناوين يختارها ويضعها ماذا يعني به ؟ وماذا يريد منه ؟ أليس هو الذي وضعه؟ أليس هو ما يعتقده ويدين الله به ؟
فلماذا يروغ ؟ ولماذا يتهرب ؟ ونقول أيضاً: إذا لم يكن ذلك الكلام من إنشائه ولا من ألفاظه فلماذا يؤلف ؟ ولماذا يكتب ؟!
ثالثاًَ: الدليل على أن الحلبي حمَّل كلام الشيخ - رحمه الله – مالا يحتمل ما يلي:
أنه ساق  كلام الشيخ - رحمه الله – في الحاشية وهو قوله: ( ... ولكنه يرى – أي الحاكم بغير ما أنزل الله – أن الحكم المخالف لـه – أي لحكم الله – أولى ، وأنفع للعباد من حكم الله  ) ظناً منه أن الشيخ محمد - رحمه الله – يشترط لتكفير الحاكم بغير ما أنزل الله بدلاً عن دين الله أن يخرج – أي الحاكم بغير ما أنزل الله – إلى الناس ويصرح بلسانه أنه يعتقد أن ما يحكم به أولى وأنفع للعباد من حكم الله وهذا غير مراد للشيخ محمد – رحمه الله – لأن الشيخ – رحمه الله – يرى أن مجرد وضع تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه دليل على اعتقادهم الفاسد حيث قال – رحمه الله – في الفتاوى (2/143):   ( من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به أو احتقاراً لـه أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية ... إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية ، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه ) ا هـ.
( وقال  أي – ابن عثيمين – في تعليقه – رحمه الله – على فتوى الشيخ الألباني – رحمه الله – في كتاب "التحذير" ص79 ط2 ) ( كلام الشيخ الألباني في هذا جيد جداً لكنا قد نخالفه في مسألة أنه لا يحكم  بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حل ذلك ، هذه المسألة تحتاج إلى نظر ، لأنا نقول: من حكم بحكم الله وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى فهو كافر – وإن حكم بحكم الله – وكفره كفر عقيدة لكن كلامنا عن العمل ، وفي ظنّي أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من القانون الشرعي ، فهو كافر ) ، وقال – رحمه الله – في شرح " ريـاض الصالحـين ": (3/311-312) ( إن الذي يحكمون القوانين الآن ويتركون ورائهم كتاب الله وسنة رسوله r ما هم بمؤمنين ... ، وهؤلاء المحكمون للقوانين لا يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة ، لهوى أو لظلم ، ولكنهم استبدلوا الدين بهذه القوانين ، جعلوا هذا القانون يحل محل الشريعة وهذا كفر حتى لو صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا ، هم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله – وهم يعلمون بحكم الله - إلى هذه القوانين المخالفة له:  ﭧ ﭨ ﭽ                                                              النساء: ٦٥ فـلا تستغرب إذا قلنا: إن من استبدل شريعة الله بغيرها من القوانين فإنه يكفر ولو صام وصلى. ا هـ.
فأين هذا مما قرره الحلبي في كتابه هذا وفي غيره ؟
أما قوله: فما العمل وما المصير ؟
فأقول لـه: العمل أن تتوب إلى الله من هذه الطريقة المزرية ، ومن تحريف كلام العلماء عن مواضعه وبتره ليوافق مشربك ، وأما سؤالك عن المصير، فالمصير إلى الله علام الغيوب .
الشبهة :
قال الحلبي في ص28 – 29 من أجوبته المتلائمة (  ثامناً: دعوى اللجنة الموقرة - سددها الله - أن في الكتاب أي - "التحذير" - التهوين من الحكم بغير ما أنزل الله – وبخاصة (ص5/حاشية1) بدعوى أن العناية بتحقيق التوحيد في هذه المسألة فيه مشابهة للشيعة الرافضة وهذا غلـط شنيع ).
فأقول ( القائل الحلبي ): نعم - والله – هو غلط شنيع ، وباطل فظيع ،فظيع ... ولكن لو كان على مثل ما ذكروا – أيدهم الله بنصره - !!!
ولكن الواقع غير ذلك ، بل عكسه. وبيانه من وجوه ...
إلى أن قال: ( وفرق جداً (جداً ) بين الحاكمية – مصطلحاً وواقعاً: وبين تحقيق       ( التوحيد ) في مسألة ( الحكم بما أنزل الله ) حكماً وشرعاً.
الرد :
لقد قال الحلبي في كتاب "التحذير"ص5/6 حاشية1: والبعض يطلق عليها اسم ( الحاكمية ) – وهو مصطلح حادث فيه بحث ونظر: ثم يجعل ذلك أهم أصول الدين وأعظم أبواب الملة – بحيث إذا ذكرت العقيدة ( عنده ) فإنه يحملها على ( الحاكمية ) وإذا ذكر ( هو) العقيدة فإنما هي عنده قولاً واحداً الحاكمية !!!!
وهذا عند عدد من أهل العلم – مشابهة لعقائد الشيعة الشنيعة الذين جعلوا ( الإمامة ) أعظم أصول الدين وهو قول باطل ورأي عاطل ، ورده عليهم بقوة شيخ الإسلام – رحمه الله – الإمام ابن تيمية في منهاج السنة  (1/20-29).
ومن المعلوم أن مذهب أهل السنة في الألفاظ المجملة المتعلقة بالتوحيد إذا كان معناها يدخل فيه حق وباطل أنهم يستفصلون فلا ينفون ولا يثبتون حتى يعرفوا مراد القائل ، فعلى فرض أن مصطلح الحاكمية من الألفاظ المجملة ، فلابد من الاستفصال قبل النفي أو الإثبات فضلاً عن التشنيع والتبديع ورمي الآخرين بمشابهة الزنادقة من الرافضة.
ثم ما رأي الحلبي ، إذا كان الشيخ الألباني – رحمه الله – قد استخدم هذا المصطلح وجعله أصلاً من أصول الدعوة السلفية ؟
حيث قال – أي الألباني رحمه الله – في رده على أحد المنتسبين للدعوة السلفية – في قصة طويلة - : "السلسة الصحيـحة" (6/30) (... ولما يئسنا منه قلنا لـه إن فرضك على غيرك أن يتبنى رأيك وهو غير مقتنع به ينافي أصلاً من أصول الدعوة السلفية وهو أن الحاكمية لله وحده وذكرناه بقوله تعالى في النصارى:                                  ﯧﯨ            ﯬﯭ        التوبة: ٣١
فهل الشيخ الألباني _ رحمه الله _ بهذا فيه مشابهة للشيعة؟ أم ماذا؟(2)
ثم إن إنكار شيخ الإسلام على الشيعة ( الرافضة ) في مسألة الإمامة لأنهم جعلوها أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين  وهي ليست كذلك.
أما ما نقله عن اللجنة الدائمة ص31 من أجوبته وهو قولها: ( وجعل الحاكمية نوعاً مستقلاً من أنواع التوحيد عمل محدث ، لم يقل به أحد من الأئمة فيما نعلم).
الشبهة :
قال الحلبي - : ( فهل لقائل - أو متقول – أن يقول: اللجنة ( تهون ) من الحكم بغير ما أنزل الله لكونها نفت أن يكون قسماً من أقسام التوحيد؟!!)اهـ .
الرد :
اللجنة – وفقها الله - نفت التقسيم وجعلته عملاً محدثاً لم يقل به أحد من أهل العلم ، ولم تتعرض لمسألة الحكم أو الحاكمية – كمصطلح أو معنى – حتى يقال أنها تهون من شأن الحكم بغير ما أنزل الله أما الحلبي فقد جعل الاهتمام بمسألة الحكم أو الحاكمية كعقيدة مشابه لعقائد الشيعة في اهتمامهم بالإمامة لأن كلامه في "التحذير" يدل على هذا .
الشبهة :
قال الحلبي في ص34 من أجوبته: ( تاسعاً: قول اللجنة الموقرة – أيدها الله بتوفيقه -: ( وبالاطلاع على الرسالة الثانية "صيحة نذير" وجد أنها كمساند ( 1 ) لما في الكتاب المذكور – وحاله كما ذكر ..).
أقول ( القائل الحلبي ): هذا تعميم وإجمال ، ولا يكتفي بمثله في مواضع النقد والإشكال .. فلا أجد للكلام .. أو ( التعقيب ) والبحث العلمي – هنا ! أدنى مجال !! ا هـ .


الرد :
الحلبي يريد أن يثير الغبار أمام فتوى اللجنة ، ويقول أي شيء ولو كان غير ذي بال ، مادام أنه يقابل به ما صاغه العلماء في كتابيه ، وإلا فهل من اللائق - في معرض الفتوى - أن تقف اللجنة مع كل كلمة قالها الحلبي لتنتقدها ؟ إن اللجنة أحسنت كل الإحسان حيث بينت أن الحلبي في مسألة الإيمان يسير في خطى المرجئة في كتابه الأول "التحذير" وأن القواعد التي سار عليها في التأصيل ليست هي قواعد أهل السنة والجماعة وكذلك بينت افتراءه على العلماء وتقويله إياهم مالم يقولوه كما مر معك واضحاً في هذه الرسالة .
ثم بينت اللجنة أن الكتاب الثاني "صيحة نذير" شبيه بالكتاب الأول ويسير على منواله وهذا واضح ، وليس باللجنة ولا القرّاء حاجة إلى التفصيل أكثر من هذا ، أما الوقوف مع كل كلمة وكل جملة للكتاب الثاني "صيحة نذير" فلا داعي لـه إذا كانت قد بينت الأغلاط في الكتاب الأول "التحذير" .
وبعد ذلك جاءت بقية الكتاب "الأجوبة المتلائمة" كأوله حيدة عن الحق وبتر للنصوص وتحريف للكلم وتهويل بالكلام وسجع متكلَّف وترادف غث مقيت في الألفاظ والعبارات واستقصاء الرد على جميع ما قال يستلزم وقتاً وجهداً ، واللبيب يدرك ما طوي إذا عرف ما روي وتبين له شيء من حال هذا الرجل وفيما قال العلماء الكرام كفاية ومقنع.
أسأل الله جل في علاه أن يجعل ما كتبته خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع بهذه الرسالة وأن يجعلها ذخراً لي عنده يوم ألقاه كما أسأله تعالى أن يهدي المردود عليه ويشرح صدره للحق إنه سبحانه سميع يجيب الدعاء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


(1) مجموع الفتاوى ( 7/364 ).
(1) مجموع الفتاوى ( 7/553 ).  
(2) مجموع الفتاوى ( 7/562 ).
(1) مع أنه – أي الحلبي – يرى كفر العناد كفراً أصلياً لا طارئاً كما سيأتي بيانه ص38 من هذه الرسالة.
     (1)ومراد الشيخ محمد بن إبراهيم بالكفر الاعتقادي أوسع مما يظنه الحلبي من حصر الكفر في الجحود والتكذيب إذ الاعتقاد يطلق على ما في القلب من قول وعمل ( قول القلب الذي هو التصديق وعمل القلب الذي هو الانقياد والقبول ) فتحكيم القوانين الوضعية وإحلالها محل شريعة الله ينافي انقياد القلب وقبوله دون النظر إلى كون الحاكم  بها يعتقد أنها أفضل من الشريعة أو الشريعة أفضل منها والذي دل على أن مراد الشيخ محمد بن إبراهيم هو هذا ما يلي:
     أ - أنه بيّن في الأنواع الأربعة السابقة ما يتعلق بجحد الحاكم بغير ما أنزل أحقية حكم الله ورسوله ، وتفضيل حكم غير الله على حكم الله ، ومساواة حكم الله بغيره ، وتجويز الحكم بغير ما أنزل الله ولما جاء إلى النوع الخامس لم يذكر هذه القيود.
     ب – أنه قال – أي الشيخ ابن إبراهيم – رحمه الله في الفتاوى ( 12/280 ) ( 6/189 ) ( ... وأما إذا جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وأن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ).
     وقال أيضاً – رحمه الله – في الفتاوى ( 6/189 ) ( لو قال من حكّم القانون أنا أعتقد أنه باطل فهذا باطل لا أثر لـه ، بل هو عزل للشرع ، كما لو قال أحد أنا أعبد الأوثان واعتقد أنها باطل ).
     (2) لأنه لو كان تقنيناً لألحق بالنوع الخامس من القسم الأول وقد بين ذلك – رحمه الله – في "الفتاوى" ( 12/280 ) ( 6/189 ) حيث قال: ( وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاده أنه عاص وأن حكم الله هو الحق فهذا الذي يصدر منه المرة=  =ونحوها: أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفـر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ).
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق